في عقيدة المواطن الأمريكي العادي يعتبر الإهمال الجسيم في التعامل مع الأمن الاستراتيجي نوعا من الجناية...
لذاك فالشعور بالأمن الداخلي.. إما أن يغمرنا بالمياه المعدنية الدافئة ..أو يؤلمنا حتى العظم .. كغياب ..
ما علاقة ذلك بدربي البيضاء ؟
كثير من المشجعين قد ينساقون وراء الاحتفالية والمتعة بالمدرجات .. بأمل الانتشاء بجذبة التنافس على صعيد الفيراجات بين الجمهورين .. ذاك منطق له دفوعاته .. و نسبته من التفهم بالرجوع الى الطقوس المتعامل معها داخل القاموس الحركي ..
صحيح أن القرار الأمني يبدو وكأنه لا يتماهى في أغلب الحالات مع جنون الاحتفالية بكل بلدان العالم ..لكن منطق العقوبة التي نزلت من الجامعة في حق نادي الرجاء ، قد يبدو لأول وهلة و في الظاهر ، وكأنه مرشوش ببعض التوابل الأمنية .. ..لكن الواقع خلاف ذلك ..
فالعامل الأمني اليوم في خضم تفاعلات متعددة طفت على السطح ، خاصة بعد تسيد نادي الوداد الرياضي للزعامةً الافريفية.. في ظل سياق تميز بتدهور الوضع الاداري والداخلي داخل قلعة الغربم الرجاوي، يفرض ذاته كتدبير استراتيجي ملح .. لذلك فان عامل الاستباق الوقائي يدفع نحو الحرص على إقصاء أي عامل من العوامل التي من شأنها الدفع في اتجاه نشوب اي تصعيد أو تصادم بين الجمهورين قد يضر بالطمأنينة العامة بمركب محمد الخامس أو بالشارع العام ..!!
لقد راكم المغرب مكتسبات حقيقية في المجال الكروي، وبشكل متوازي قام بترصيد الخبرة الوظيفية ذات الصلة بالأمن الرياضي .. حيث تقف المصالح الأمنية للمملكة اليوم على عتبة تجربة أمنية ذات خصوصية غير مسبوقة بمناسبة تأمين تظاهرات المونديال القطري ..
ويبقى جديرا بالتذكير أن المؤسسة الامنية المختصة لها صولات وجولات متميزة في تدبير ديربيات كثيرة نظمت عبر سنوات متتالية بمدن البيضاء ووجدة وعبدة وغيرها .. و كان رجال تلك المؤسسة - رغم بعض التمظهرات السلوكية المنحرفة هنا وهناك التي يتم زجرها - دوما في الموعد مع الحدث ..
كيف يمكن للمواطن العادي أن يقيس خطورة الاحتكاكات والصدامات المحتملة بين الجماهير بمناسبة ديربي البيضاء ودرجة خطورتها على الأمن العام ؟؟
في غالب الاحيان لا يتوفر لدى المشجعبن عموما الوعي الدقيق والمحايد ازاء الحدث الرياضي وارتباطاته الامنية . مايهمهم في المقام الاول أن يحلموا ( ويزهاو ) بألوان الديربي دون التقدير الموضوعي لطبيعة الإكراهات التي تقض مضجع الأمنيين .. وليس لهم في الحقيقة أن يهتموا سوى بالتشجيع الى آخر رمق - كما يقولون - لناديهم المفضل من أجل الدفع به نحو الفوز - كما يجري في كل
بقاع المعمور - ..!
العارفون والمتتبعون يدركون أن الشروط الأمنية ترجح كفتها في كل الأحوال .. سيما أن الصراع بين الغريمين حول لقب الدوري المغربي لم تخمد جدوته بعد .. و لا ريب ان العقل الراجح يفرض أن ينتهي موسم الكرة لدينا دون حدوث انفلاتات قد تفسد المكتسبات .. أو تضع المنظومة كلها في قلب الاستفهامات .!!
اتضح مؤخرا في كثير من التجارب المقارنة خصوصا بفرنسا ، أنه رغم توفير الحصيص الكبير و رغم تعبئة الامكانيات المادية الثقيلة ، فان انقشاع أي جمرة داخل الملعب أو خارجه ، يمكن أن يشعل الحرائق و يسبب الكوارث..!
بين الأمني والفرجوي ليس هناك على صعيد الواجب المهني قطيعة أو طلاق مبدئي .. لكن قرار الجامعة العقابي باجراء الديربي البيضاوي دون جمهور ( ومنع التنقل …الخ ) و المستند الى وقائع تشكل موضوع الزجر الذي تتص عليه مواد منظومة التأديب.. قد خدم - بشكل غير مباشر - أهدافا استراتيجية ذات بعد أمني أصيل ..
قد يوافقني كثير من الناس أننا نقضي معظم وقتنا في البحث عن الأمان .. و عندما نحصل عليه يشرع بعضنا في وضع متاريس التوجس و الشكوك .. !!
لماذا يولع البشر عبر التاريخ بتشييد القلاع.. ومنبهرون من عبقرية العقل المهندس لتلك التحصينات التي تجعل المدن تصمد طويلا أمام غزو الأعداء.. ؟؟ .. لأنهم في الأصل يثمنون عاليا قيمة السكينة و الشعور بالأمن ؟؟ !..