لم تكن شخصيات عادية في التاريخ ، ولا مسارها كان عاديا في ذاكرة المغاربة ، بل حاولوا أن يصنعوا "بروفيلاتهم"، على الرغم من العراقيل والصعوبات التي كادت أن تعصف بيهم حتى يستسلموا ويظلوا أشخاص عادين لا مختلفين ومتميزين عن غيرهم، ويصنعون قصة حياة منصفة ويمكن أن تشخص على أنها خيالية في طريق تبدو للكثيرين سهلة لكنها ليست بالمستحيل.
فضمن سلسلة برامج رمضان، ارتأت جريدة" بلبريس" ، أن تقدم "ربورتريهات" عن شخصيات عاش معها المغاربة تفاصيل كثيرة جعلتهم يتذكرونها بين كل حدث و حديث.
في حلقة اليوم .... ستتعرفون على واحد من أهم الشخصيات التي بصمت حياتها في عالم القانون والسياسة، كونه خبيرا قانونيا وفقيها دستوريا، أسندت له مهام رئاسة اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، أول رجل قانون يكلف بمهام هندسة الدستور مغربي في تاريخ المملكة المغربية، وبعدها إلى واحد من رجالات الملك الذين يستشارون حول دواليب السلطة داخل البلاط الملكي.
في سنة2011، وصف بمهندس دستور المملكة المغربية، بعد مشاركته في المراجعة الدستورية لدولة الإمارات العربية ومملكة البحرين، فهو الخبير القانوني وفقيه دستوري مغربي، قاده مساره الغني إلى منصب مستشار الملك في غشت 2011، بعد أن ترأس اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور.
ولد عبد اللطيف المنوني عام 1944، في مكناس، داخل أسرة مهتمة بالعلم والمعرفة، والتي ستحرص على أن يتلقى تدريسا وتكوينا جيدا، في نفس المدينة في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وحصل على البكالوريا في الرياضيات، وانتقل للرباط لإكمال دراسته الجامعية في جامعة محمد الخامس.
وحصل على الإجازة في شعبة القانون العام والعلوم السياسية عام 1965، وعلى دبلوم الدراسات العليا في القانون العام سنة 1970، ثم نال عام 1975 دكتوراه الدولة في القانون العام، من جامعة غرونوبل بفرنسا.
ومساره الوظيفي بدأ حين عين أستاذا للقانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس عام 1969، كما عين عضوا في المجلس الدستوري خلال الفترة 1994-2008.
وشارك عام 2001 في عضوية لجنتي مراجعة دستوري دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين. كما اختير عضوا في هيئة الإنصاف والمصالحة (2004-2006)، وفي اللجنة الاستشارية للجهوية المكلفة بإعداد مقترح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية المغربية، وتولى رئاسة الجمعية المغربية للقانون الدستوري منذ تأسيسها عام 1994 إلى 2008.
لم تقف رحلته هنا، بل استمرت إلى حين شغله عضوية اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية للقانون الدستوري (2002-2005)، وكان عضوا مؤسسا لجمعية القانونيين المغارب.، كما مثّل المغرب منذ عام 2008 في اللجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية عن طريق القانون، وعينه الملك محمد السادس عام 2008 أستاذا مدى الحياة للمكانة العلمية.
أما مساره السياسي فبدأ فعليا عام 1960 في مرحلة الثانوية، حيث ترأس جمعية الشبيبة التقدمية، أما العمل النقابي فبدأ وهو طالب في جامعة محمد الخامس، حيث ترأس التنظيم النقابي (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب) عام 1967 باعتبارها نقابة متنوعة التيارات الفكرية والسياسية وفاعلة في المشهد السياسي، إلا أنه ظل عضوا نشيطا في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية اليساري (الاتحاد الاشتراكي حاليا).
وترأس اللجنة العمالية للحزب، وساهم في تأسيس النقابة العمالية "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" عام 1978 بعد الانفصال عن الاتحاد المغربي للشغل، إلى أن انتهت علاقته بالحزب في ثمانينيات القرن الماضي بعد خلافات في الرؤية والأفكار، وكانت له مساهمات في مسيرة الحزب بدور فكري بارز في إشاعة الثقافة النقابية والدستورية والحقوقية.
وكان هو أول رجل قانون مغربي في تاريخ المملكة المغربية يشرف على لجنة المخصصة لهذه المهمة، إذ كانت من قبل مقصورة على الفرنسيين منذ أول دستور عام 1962.