أكد رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، على أنه "لَسْنَا في حاجة إلى التذكير بأعداد النساء المُعَنَّفات، وبأشكالِ العنف الممارس ضِدَّهُنَّ وسِيَاقَاتِه لِنَزِنَ الأضرار البالغة لهذه الآفة. فَمَهْمَا كان حجمُ الظاهرة وعدد ضحاياها، فإنها تعتبر مسًّا خطيرًا بحقوق الإنسان، وخرقًا جسيما للقانون وتَذْهَبُ على النقيض من طبيعة العلاقات التي يتعينُ أن تكونَ عليهَا الروابطُ بين أفرادِ المجتمع، بل هي نَقِيضُ جَوْهرِ النَّزعةِ الإنسانية وضد التحضُّرِ البشري".
وقال الطالبي العلمي في كلمته خلال في الجلسة الافتتاحية لفعاليات تخليد اليوم العالمي للقضاء على العنف الممارس على النساء، صباح اليوم الثلاثاء 7 دجنبر، إنه "وَلَئِنْ كانَ تشخيصُ هذا العنف ضروريًّا للإحاطةِ بالظاهرة، فإن التَّصَدِّي لجذورِه وأسبابِه يظل أمرًا حاسمًا، علمًا بأن آليات ومداخلِ اجتثاثِ الظاهرة تَتَعَدَّدُ وتتفرَّعُ إلى ما هو قانوني زَجْرِي، وما هو بيداغوجي-تربوي وما هو سوسيولوجي وثقافي".
وأضاف الطالبي "لسنا، كما سبق أن أَكَّدْتُ، في المغرب، بِمَنْأَى عن استفحال الظاهرة. ولكن من حسنِ حظ بلادِنا أن إِرادةَ التصدي لها، وإرادةَ تكريمِ النساء، وإرادةَ إعمال المساواةِ والمناصفة، وإرادةَ تعزِيز تواجدِ النساء في مراكز القرار السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والثقافي والدبلوماسي، هي أولًا، وفي المقام الأول، إرادةٌ ملكية راسخةٌ لصاحبِ الجلالةِ الملكِ محمد السادس، وهي إرادةٌ وسياساتٌ تتعبأُ خلفَها وفي صُلْبِهَا، وتنخرطُ فيها، القوى الحية السياسية والمدنية في البلاد ومؤسساتها".
وأكد الطالبي على أنه "بفضل هذا الحرص الملكي على رعايةِ حقوقِ النساء وكَفَالةِ كرامتهن، كانت حقوق النساء وحِمَايَتِهِنَّ في صلب الإصلاحات التي دشَّنَتْها بلادُنا منذ أكثر من عشرين عامًا. فجميعُنا يتذكرُ الحرصَ الملكي السامي على إصدارِ مدونة جديدةٍ للأسرة في 2004 وإخضاعِها لمسطرةِ التشريع بعدَ استشاراتٍ وطنيةٍ واسعة وحوارٍ وطني هادئٍ، وما حَمَلَتْهُ من مقتضياتٍ تَحَرريّةٍ، ومن كَفَالَةٍ لحقوقِ النساء والأطفال وإِعْمَالٍ للتوازنِ في إطار الأسرة. كان ذلك في مناخٍ وسياقٍ إقليمي حضاري محافظ، ولكنه كان خطوةً اعْتُبِرَتْ، وما تزال، من طرف المنظمات الدولية وشركاء المغرب ومن يتقاسم معهم قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، نموذجًا لمدونةٍ متقدمة".
وزاد رئيس مجلس النواب قائلا "قد مَهَّدَ اعتمادُ المدونة لمسارٍ طويلٍ من الإصلاحات العميقة لَكَفَالَةِ حقوق النساء وما قد تَتَعَرَّضْنَ له من عنفٍ جسدي، أو اقتصادي أو رمزي، كانت الحلقةُ المركزيةُ فيها ما يَزْخَرُ به دستورُ المملكة لعام 2011 الذي، علاوة على تَنْصِيصِه على تَمْتيعِ الرجل والمرأة على قَدَمِ المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية وغيرها الواردة في القانون الأسمى للبلاد، وكذا في الاتفاقيات والمواثيقِ الدولية كما صادق عليها المغرب، يؤكدُ سعيَ الدولة إلى تحقيق المناصفة بين الرجال والنساء ويقضي بإحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة".
ووشدد العلمي على أن "دستور 2011 أطلق دينامية إصلاحية تشريعية ومؤسساتية لكفالة حقوق النساء، وأساسا محاربة التمييز والعنف الممارس ضدهن، كان من علاماته البارزة المصادقة على القانون رقم 103.13 المتعلق بـمحاربة العنف ضد النساء"، مضيفا "وإذا كان تَعنيفُ النساءِ، كما أَيَّ إنسان، مرفوضًا ومُدَانًا بكل الشرائع والقوانين والقيم والمعايير، فإن التَّكَفُّلَ بالفتيات والنساء ضحايا العنف، وإحقاقَ العدالة وزجرَ هذه الممارسة المَقِيتَةِ يُعتبرُ عملًا حاسمًا لِلْأَخذِ بِيَدِ مَنْ يَتَعَرَّضْنَ لهذا النوع من الظلم المُؤْذِي والجَارِحِ للكرامةِ وللجسد".
وأردف المتحدث ذاته "إدراكًا من بلادنا لهذه المسؤولية، فقد جعلت من مؤسساتِ وخَلَايَا التكفل بضحايا العنف من الفتيات والنساء، سياسةً عموميةً ثابتةً يمتدُّ توزيعها المؤسساتي من مؤسسة الأمن الوطني مركزيا وترابيا، إلى المحاكم، وهو ما يُدَعِّمه ويُعَزِّزُه عَمَلُ هيئاتِ المجتمع المدني التي تقوم بدور اليقظة والتوعية والتأطير. ولاغرابة في أن تكونَ الممارسةُ المغربيةُ في مجال التكفل بضحايا العنف والاستماع لهن وتوجيههن الذي تنجزه خلايا المديرية العامة للأمن الوطني نموذجًا يُحتَذى به في الممارسات الدولية وموضوعَ إشادةٍ من جانبِ هيئاتِ الأمم المتحدة".