هزيمة مدوية للبيجيدي.. فقدان 113 مقعدا برلمانيا ومليون ونصف صوت في انتخابات 2021

 

د.ميلود بلقاضي

أكيد أن الهزيمة المدوية التي مني بها حزب العدالة والتنمية كانت جد مؤلمة ، لكن الأساسي ليس الهزيمة بحد ذاتها  ولكن في دلالاتها الكمية والكيفية، فالنزول من 125 مقعدا برلمانيا  خلال انتخابات 2016 التي اكتسح البيجيدي الدوائر الانتخابية، إلى 12 مقعدا في انتخابات 2021، ليس بالأمر البسيط، انها مفارقة غريبة .

ومن هنا سنتسائل  عن سبب فقدان الحزب لـ 113  مقعدا  في خمس سنوات، خصوصا أن الحزب معروف بالتنظيم والالتزام،  فالأمر غير مفهوم . قد يقال ان النتيجة قاسية وغير متوقعة للبيجيدي، جاءت كعقاب شعبي لتدبيرهم للشأن العام ، قد يكون هذا صحيح من جهة، ولكن من جهة أخرى لا يمكن ان يكون العامل الوحيد لأن حزب المصباح من أكثر الأحزاب المغربية تنظيما ، وله هياكل واجهزة منضبطة وملتزمة ، وله الآلاف من المناصرين والأتباع ، فكيف يعقل ان ينتقل الحزب من 125 نائبا برلمانيا ومليون و500 الف صوتا سنة 2016 الى 12 برلمانيا و 25 الف صوتا سنة 2021، انها معادلة غريبة.

وفي نظري هناك أكثر من عامل في هزيمة البيجيدي في هذه الانتخابات والتي سندرجها على الشكل التالي:

1- العقاب الشعبي: صحيح هذا العامل كان حاسما في الهزيمة، بعد اتخاذ حكومة العثماني قرارات مجحفة في حق الطبقات الفقيرة والمتوسطة في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة فرضتها جائحة كورونا ، قرارات كانت متسرعة واعتباطية وغير مفهومة ، جعلت المواطن المغربي يصوت ضد العدالة والتنمبة وبعاقبه بعم التصويت لصالحه.

2- تصدعات وخلافات وخيانات وانتقامات داخلية: العامل الثاني الذي كان وراء هذه الهزيمة المدوية يعود لماعرفه الحزب من هزات داخلية عميقة منذ اعفاء بنكيران  وانقسام الحزب الى تيارين, تيار الاستوزار يقوده العثماني والرباح والرميد واعمارة الوافي والمصلي والداودي، وتيار بنكيران يقوده بنكيران وماء العنين والازمي وحامي. فانقسام الحزب الى تيارين أثر بشكل كبير  على تماسك الحزب وانسجامه والمحافظة على وحدته وانضباطهمح كرئيس الحكومة بمرور قوانين انتخابية كارثية،

3-اتخاذ قيادة الحزب قرارات ضد توجهات مبادئ  الحزب: منها القانون الاطار ، التصويت على قانون القنب الهندي ،الانبطاح الكلي امام وزراء حكومته واتخاذ قرارات قاسية اجتماعيا واقتصاديا ضد الطبقات التي صوتت لصالح الحزب ، وتطبيع العثماني مع الفساد والفاسدينكما قدم تنازلات غير مدروسة ورفض تفعيل مقتضيات دستورية كان يمكن أن تنقذ الحزب، كما تبنى منطقا إقصائيا حديديا داخل الحزب.

4- التطبيع مع اسرائيل: استغل تيار بنكيران توقيع العثماني مع الكيان الاسرائيلي لخوض حملات لإظهار أن الامين العام خان العهد وباع قضية فلسطين، وهنا نذكر ردود المقرئ ابو زيد  وقيادات جماعة الاصلاح التوحيد الخ.

5- عدم دعم  الجماعات والحركات الدعوية للعثماني في الحملة الانتخابية: أصبحت برودة العلاقة بين قيادة ومناضلي حركة الاصلاح والتوحيد وبين العثماني ظاهرة للعيان، حيث اتضح ذلك بشكل أثناء الحملة الانتخابية، حيث صوت بعض اعضائها ضد العثماني وحزبه.

6- خيبة أمل الأنصار والمؤيدين في مواقف وسياسة العثماني والبيجيدي: القارئ لنتيجة هزيمة حزب العدالة والتنمية القاسية لا يفهم اين ذهب اكثر من مليون و475 الف مصوت الذين صوتوا لصالح الحزب سنة 2016، وهل الاصوات التب حصل عليها الحزب كانت من حزب العدالة والتنمية ام من جهات اخرى.

انكشاف حقيقة العثماني وحزبه امام انصار الحزب والمتعاطفين معه وحتى عند مناضلي الحزب أدت الى مقاطعة الحزب وهزم حتى العثماني ذاته، حيث انه فشل في الدائرة الانتخابية المحيط، ولم يفز بمقعد انتخابي، وهذا هو ثمن التشبت بالكرسي وبيع الاوهام و استغلال ثقة الناس.

7- حضور باهت وتواصل ضعيف في تدبير جائحة كورونا: لاحظ الكل كيف عرت جائحة كورونا الضعف التدبيري للعثماني ووزارءه في مواجهة كورونا ،يل انهم كانوا غائبين امام الحضور القوي لحزب عزيز اخنوش ووزراءه حيث انهم كانوا نجوم جائحة كورونا الى جانب وزير الداخلية وامزازي وبن الطالب. بل الطامة الكبرى هي اتخاذ العثماني قرارات اللاشعبية دمرت العباد وكان من المنتظر ان يؤدي العثماني وحزبه ضريبة تدبريهم للشان العام.

8- فقدان الحزب للقوة التواصلية الرهيبة لبنكيران في الحملات الانتخابية: تؤكد عدة مصادر ان بنكيران لم يغفر للعثماني غدره وخيانته له سنة 2016، وكيف قرر القطيعة معه وتهميش كل تياره داخل أجهزة الحزب ، ودخول العثماني الانتخابات دون بنكيران كان متوقعا ان تكون كلفته السياسية باهظة ، فجل التجمعات التي تراسها العثماني كانت ضعيفة كما وكيفا.لذا كان انتقام بنكيران من العثماني منتظرا، وهذا ما يفسر اصدار بنكيران بلاغا سريعا  هذا الصباح بصفته عضوا في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمبة وانطلاقا من صفته الاعتبارية كأمين عام سابق يطالب فيه باستقالة العثماني والدعوة لمؤتمر استثنائي للحزب.

9- نوعية التحديات الوطنية والاقليمية والدولبة تفرض ابعاد البيجيدي من تدبير الشان العام: يواجه المغرب تحديات وطنية كبيرة أهمها كيفية إعادة بناء مغرب ما بعد كورونا، وتنفيذ النموذج التنموي الجديد وانزال الجهوية المتقدمة، هذه التحديات تحتاج حكومة منسجمة وقوية تحت قيادة رئيس حكومة قوي .اما التحديات الاقليمية فتثمثل في كون المغرب اصبح قوة صاعدة ومقلقة لعدد من الدول ، وبالتالي فهو بحاجة الى مؤسسات قوية تقوي الدولة في مواجهتها لهذه التحديات الاقليمية. تحديات دولية تتجسد في تراجع الاسلام السياسي في العالم الاسلامي والعربي والدولي، اما باستعمال العنف او الاقصاء او المواجهات الدموية، فيما المغرب اختار المنهجية الديمقراطية لهزيمة الاسلاميين، وهي صناديق الاقتراع، وهذا ما سيقوي المغرب دوليا، بكونه طوى مرحلة الاسلاميين ديمقراطيا.

اذا كل هذه العوامل واخرى، سواء الذاتية أو الموضوعية، كانت وراء هذه الهزيمة المدوية لحزب العدالة والتنمية الذي لن يبق كما كان قبل 8 شتنبر 2021 .انها عودة الى مرحلة الضعف اي الى سنة 1997  التي حصل فيها الحزب على 12 مقعدا.

 

رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.