د.ميلود بلقاضي
عرفت نهاية هذا الاسبوع حدثا سياسيا ليس بالعادي، يتمثل في الاجتماع المشترك بين قيادات حزب الاصالة والمعاصرة وقيادات حزب العدالة والتنمية. اجتماع انتهى باصدار بيان مشترك يحمل عدة دلالات ورسائل لمن يهمهم الامر، صيغ بلغة مارقة وخشبية، وتم اختيار توقيته بعناية فائقة .وصف بانه مجرد اجتماع تشاوري في حين انه اكثر من ذلك، انه تمهيد لتحالف انتخابي قبلي، وتحالف حكومي بعدي.
بيان اقل ما يوصف بانه غير برءئ في شكله وفي مضمونه وفي توقيته وفي رسائله وفي دلالاته.بيان يجب مقاربته بحذر لكونه صادر في سياق سياسي دقيق ومضطرب ومن اكبر الاحزاب السياسية بالمغرب المتنافسة على رئاسة الحكومة المقبلة ولو بدرجات مختلفة.
حزب العدالة والتنمية وامينه العام العثماني واع كل الوعي باستحالة عودته او عودة حزبه لرئاسة الحكومة لاسباب ذاتية وموضوعية معروفة، وحزب الاصالة والتنمية وامينة العام وهبي الذي يطمع لرئاسة الحكومة المقبلة والمشاركة فيها لان بقاءه للولاية الثالثة في المعارضة يعني دمار الحزب.
سياق بلاغ الامينين العامين لحزبي العدالة والتنمية والاصالة والمعاصرة ليس بالبرءئ: تؤكد نظريات العلوم السياسة ان السياق هو جزء من الحدث السياسي، وهو ما يحدد دلالته، وهذا ما ينطبق على سياق بيان قيادات الحزبين. سياق اقل ما يقال عنه لنه ليس بالبريئ في توقيته او في شكله او مضمونه او في رسائله لتزامنه مع اقتراب تنظيم الاستحقاقات الانتخابية، وتصاعد بورصة حزب التجمع الوطني الاحرار العدو الحاضر/ الغائب لقيادات الحزبين.سياق اجتماع الحزبين الاعداء / الاخوة تحكمت فيه المصالح الانتخابية والسياسية المشتركة الراهنية للحزبين خصوصا بالنسبة لاحتلال المراتب الاولى ورئاسة الحكومة وتشكيلها ولفرملة تقدم حزب الحمامة، وقد تكون وراء هذا التقارب قوى نافذة منزعجة من اخنوش الذي اصبح شغله الشاغل هو احتلال المرتبة الاولى في الانتخابات المقبلة، وقيادة الحكومة المقبلة.
انه سياق الضبابية واللامنطق والمصالح الضيقة في سياق استثنائي فقدت فيه الاحزاب الكثير من المصداقية وانكشفت فيه محدوديتها في تدبير الازمات، وتغيرت فيه المفاهيم وانهارت فيه الايديولوجيات والممنوعات والقيم، واصبح كل شيئ فيه مباحا .
دلالات بيان الامينين لحزبي العدالة والتنمية والاصالة والمعاصرة براكماتية:قوة البلاغ السياسي تتجسد في ما ينتجه من دلالات و ايحاءات.ومن اهم دلالات البلاغ السالف ذكره نذكر :اولا- انه صادر عن أكبر الاحزاب السياسية بالمغرب،الاول يقود الحكومة والثاني يقود المعارضة،وبالتالي فهما قوتان انتخابيتان تكونان رقما صعبا في تشكيلة الحكومة المقبلة ولما لا قيادتها. ثانيا -للحزبان قلق وتخوف مشترك اتجاه عزيز اخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للاحرار الذي تحول الى آلة انتخابية قوية اعتمدت مقاربة حزب الاسلاميين وهي مقاربة القرب والنزول للميدان . ثالثا- ان هذا الاجتماع اكثر من اجتماع تشاوري، انه تمهيد يؤسس لتحالف انتخابي قبلي على مستوى الانتخابات الجماعية والجهوية وقد يصبح بعدي بعد فرز نائج الانتخابات،.رابعا-تأكيد صحة القاعدة السياسية التي تقول ليس في السياسة اصدقاء دائمون او اعداء دائمون،لكون السياسة فضاء تتحكم فيه المصالح وليس القيم او المبادئ . خامسا- رغبة وهبي والعثماني تجاوز ثنائية العداء بين بنكيران والياس العماري وتحويلها الى تعاون وتحالف بين الحزبين في الاستحقاقات المقبلة خدمة لمصالح الحزبين.سادسا- المصالح والتحديات المشتركة الراهنية وليس الاستراتيجية هي من فرض هذا التقارب بين حزبي البام والبيجيدي، خصوصا بعد انهيار المرجعيات الايديولوجية والمذهبية وتعويضها بالمصالح الانية.سابعا-حاجة البام الى حزب البيجيدي ذو القاعدة الشعبية القوية للوصول لرئاسة الحكومة كحليف مستقبلي خصوصا وان وهبي يدرك بان سيكون من اكبر الرابحين من اي تقارب مع البيجيدي . ثامنا- طموح وهبي الوصول الى السلطة عبر تحالف قبلي مع البيجيدي لانه عارف برغبة البيجيدي البقاء في السلطة خصوصا تيار الاستوزار الذي فتن بامتيازات السلطة.
رسائل بيان الامينين لحزبي العدالة والتنمية و الاصالة والمعاصرة :يتضمن البيان المشترك لاجتماع وهبي والعثماني بمقر البيجيدي رسائل متعددة من اهمها: اولا- تأكيد الحزبين طي مرحلة بنكيران والعماري وفتح صفحة جديدة ضدما سماه بيانهما عبث العابثين.ثانيا -توجيه رسالة قوية لاخنوش ولحزب التجمع الوطني للاحرار مفادها نحن الحزبان المؤهلان لقيادة حكومة المقبلة، وليس انت وحزبك.ثالثا- تأكيد رغبتهما في تكريس المسار الديمقراطي للبلاد وتثمين الاختيار الديمقراطي الذي ارتضته ثابتا دستوريا،ورفض كل الأساليب الساعية إلى المساس بنزاهة وحرية الاقتراعات خصوصا عبر أساليب الاستعمال المريب للمال الانتخابي وكذا استعمال بعض أدوات الترغيب والترهيب ضد بعض الفاعلين الحزبيين، مما يستدعي اليقظة والتدخل الحازم من قبل السلطات المختصة للقيام بواجبها في صون الانتخابات المقبلة من عبث العابثين ، والمقصود هنا اخنوش وحزبه.رابعا-تقارب البام البيجيدي سيفرمل سرعة عزيز اخنوش الذي حول حزب التجمع الوطني للاحرار الى آلة انتخابية تريد القضاء على الاخضر واليابس من اجل هزم البيجيدي اولا والبام ثانيا والرفع من بورصته عند صناع القرار. خامسا - توجيه رسالة مسبقة الى السلطات المختصة لصون الانتخابات المقبلة من عبث العابثين وهو تخوف مسبق لامكانية افساد الانتخابات المقبلة.
ونشير- هنا- ان الحديث في البيان المشترك عن اساليب الاستعمال المريب للمال الانتخابي هنا المقصود به عزيز اخنوش وحزبه، وفي هذه النقطة نتسائل: اذا كان وهبي والعثماني يتوفران على ادلة على ذلك فلماذا لا يلتجئان للقضاء ؟اليس العثماني هو رئيس الحكومة ؟اليس وهبي محاميا؟ لماذا لا يطالبان وزارة الداخلية والنيابة العامة لمتابعة كل من من يستعمل المال بشكل مريب؟ لماذا اختار حزبا البيجيدي والبام المظلومية والبكاء قبل انطلاق الحملة الانتخابية وفرز النتائج ؟ هل هو تبرير مسبق بحدوث انتكاسة حزبية في الانتخابات المقبلة؟ اهو مجرد احساس بذلك ام انهما يتوفران على ادلة بان هناك قوى تهيئ المطبخ الانتخابي ل 8 شتنبر؟
ولم يكتف بيان وهبي والعثماني باستعمال المال المريب في ومن الانتخابات ، بل انهما رفضهما - ايضا-استعمال بعض ادوات الترغيب والترهيب ضد بعض فاعلي الحزبين ، والاكيد ان المقصود هنا هو نفس الشخص ونفس الحزب .
اكيد ، رسائل العثماني ووهبي الى اخنوش وحزبه واضحة، وهي رسائل ليست اعتباطية بل اتت لتؤكد تخوف الحزبين من منافس عنيد وشرس ومؤهل لرئاسة الحكومة المقبلة الا هو اخنوش وحزبه التجمع الوطني للاحرار.وان هذا التنسيق القبلي بين البام والبيجيدي جاء لسد الطريق امام اخنوش وحزبه بهدف محاصرته واقصائه من رئاسة الحكومة المقبلة خصوصا بعد اعلان برنامج انتخابي على شكل برنامج حكومي.
انها لعنة القدر،ومكر التاريخ ، بالامس كان التجمع والبام ينسقان لمحاصرة البيجيدي لكي لا يترأس حكومة 2016 واليوم البام والبيجيدي ينسقان ضد التجمع الوطني للاحرار لكي لا يقود الحكومة المقبلة، الامر الذي يفهم منه ان حزب الاصالة والمعاصرة الذي كان اسسه فؤاد الهمة المقرب من الملك لمواجهة حزب العدالة والتنمية تحول مع وهبي الامين العام الحالي لحزب البام الى حزب حليف للحزب الاسلامي ضد حزب صديق الملك عزيز اخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للاحرار .
تداعيات تقارب حزبي الاصالة والمعاصرة والتنمية والعدالة: لم يفهم الكثير من المهتمين بالشأن السياسي سر تقارب العثماني ووهبي في هذا الوقت بالذات، وهل تقاربهما تكتيكي ام استراتيجي؟ ومن خطط له؟ هل العثماني ووهبي من تلقاء نفسهيما أم فرض عليهنا هذا التقرب من جها ت معينة لا ترى بعين الرضى للعودة القوية لحزب التجمع الوطني الاحرار ولعزيز اخنوش الذي اصبح شغله الشاغل هزم حزب العدالة والتنمية لتحقيق انجاز تاريخي فشل حزب الاصالة والمعاصرة تحقيقه؟ام انه تكتيك وهبي الامين العام لحزب الاصالة والمعاصرة الذي اصبح يطمح برئاسة الحكومة المقبلة بعد اقتناعه باستحالة رئاسة حزب العدالة والتنمية الحكومة المقبلة وان كان سيبقى رقما صعبا في الانتخابات المقبلة؟
على كل، البيان المشترك لحزبي العدالة والتنمية والاصالة والمعاصرة لا يمكن قراءته قراءة واحدة ، بل قراءات متعددة ومن زوايا مختلفة، لكنه بيان ستكون له تداعيات على المشهد الحزبي والسياسي خصوصا بالنسبة لحزب التجمع الوطني للاحرار بالدرجة الاولى ولحزب الاستقلال بالدرجة الثانية،وقد يؤدي لقيام تحالفات اخرى جديدة ، وان كان هذا التنسيق بين وهبي والعثماني سيعاني من اختلالات في المستقبل على المستوى المحلي والاقليمي والجهوي لانه تم دون استشارة لقواعد واجهزة الحزبين مما يفيد استمراراستبداد الزعمات الحزبية بالقرارات وفرضها على القواعد لضرب مبدأ الديمقراطية التشاركية كمبدأ دستوري.
رئيس المرصد المغربي لدراسات الاستراتيجية والسياسية.