لم يكن اكبر المتشائمين في صفوف الجماهير الفرنسية التي تابعت المباراة التي جمعت مساء يوم الاثنين 28 يونيه 2021 بين فرنسا وسويسرا برسم الدور ثمن النهائي من كأس الامم الاوربية ، سواء عبر الشاشة او مباشرة من ملعب أرينا ناسيونالا بالعاصمة الرومانية بوخارست ، يتخيل ان رفقاء مبابي وبنزيمة سيغادرون المنافسة في اتجاه باريس بهذا الاستعجال، حاملين في قلوبهم كميات كبيرة من الاحباط والخيبة !!
الواقع ان مصدر الصدمة والمرارة التي يستشعرها الفرنسيون ياتي من كون المنتخب السويسري المصنف من طرف الفيفا في الرتبة 13 برسم سنة 2012 ، لم يكن مرشحا اطلاقا من طرف الملاحظين الرياضيين ان يخلق ازعاجا كبيرا لمنتخب الديكة ، الذي يحتل المرتبة الثانية عالميا او قطع الطريق امامه نحو ربع النهاية التي كان من المتوقع ان يلاقي خلالها المنتخب الاسباني .
وكان المنتخبان قد احتكما الى ضربات الترجيح بعد التعادل 3-3 في الوقتين الاصلي والاضافي , والتي انتهت بخمسة لصالح السويسريين واربعة للمنتخب الازرق بعد ان اضاع كيليان مبابي الركلة الاخيرة .
لمً يكن سهلا على الالاف من المشجعين الفرنسيين الذين تنقلوا عبر جغرافيات مختلفة لمناصرة منتخبهم في نزالاته امام المانيا وهنغاريا والبرتغال ثم امام سويسرا ، ان يهضموا هذا الاقصاء المبكر ، وهو الذي قدم الى مسابقة ” الأورو “ مرتديا معنويا ثوب البطل .
هل كان ديدي ديشان على صواب عندما راهنً على التجريب التكتيكي في لحظة التعاطي الرسمي مع احدى اقوى المنافسة الكروية الدولية ، بعد توجيهه الدعوة لبنزيمة الذي وجد زملائه بعض الاستعصاء في التكيف مع الرسم الجديد الذي أعد له ، في الوقت الذي سبق لباقي اللاعبين التمرس على مكانيزمات تم تطويرها وتطويعها منذ مدة خلت عن طريق توظيف قلب الهجوم المجرب الان جيرو ( شيلسي ) ووسام ايت بن يدر ( موناكو) و ماركوس تورام ( منشكلاد باغ ) وغيرهم ..
لكن وسائل الاعلام الفرنسية لم تتوقف عند هذا المعطى فحسب ، بل تحدثت ايضا عن تراجع في الاداء الدفاعي والانتعاش اللياقي لعناصر الفريق ، كما اكد ذلك لاعب الوسط موسى سيسيكو ، حيث ظهر جليا للعيان التثاقل في السبق الى الكرات و عدم التفوق علي مستوى الالتحامات الثنائية، الامر الذي جعل لاعبي الفريق الوطني السويسري لا يجدون صعوبات حقيقية في افتكاك شفرة دفاع الزرق واسترجاع الكرة وحسن الانتشار و الانطلاق بسرعة في هجومات خاطفة تعتمد اسلوب المقوسات لتهديد الشباك الفرنسية ضمن منظومة فنية حافظت على التوازن بين التنظيم الدفاعي والهجومي طيلة المقابلة.
الادهى من ذلك هو هبوب بعص الرياح الثلجية على سقف العلاقة بين بعض اللاعبين النجوم داخل مستودع الملابس وداخل الملعب ، بل ان ملاسنات حدثت اثناء المباراة ضذ سويسرا بين Adrien Rabiot و Paul Pogba ، حبث وجه الاول الانتقاد للثاني حول ادائه الدفاعي المتذبذب .
كان واضحا ايضا ان سوء توزيع المخزون البدني للاعبي فرنسا طيلة المباراة خصوصا المدافعين، قد اثر على المردود العام ، اذ رغم هزيمة السويسريين ب 3- 1 فقد تمكنوا من العودة في النتيجة بعد انهيار المقاومة الجسمانية لفريق الديكة بشكل غريب .
وحسب جريدة le Psarisien ، فان ابطال العالم والمرشحين الاقوى للفوز بالكاس الاوروبية للامم 2021، " لا يستحقون الذهاب بعيدا (….) ولا يمكن التفكير في بقاءهم لمدة اطول في وجود اختلالات دفاعية لم يلبثوا ان أدوا ثمنها .." .
و تعليقا على هذا الاقصاء المخيب لامال الجمهور الفرنسي ، عنوت جريدة l 'equipe على صفحتها الرئيسية بكلمة Anéantis /- أي محطمون !
اما الصحافة الاجنبية ، فقد علقت جريدة la gazetta Del sport الايطالية على صفحتها الاولى ساخرة : " وداعا مبابي !! "
اما الصحف السويسرية فلم تخف بالطبع سعادتها بهذا الانجاز الكبير الذي تسبب في اخراج فرنسا بطلة العالم من المنافسة الاوروبية ، مؤكدة " ان المنتخب السويسري كتب صفحة في سجل التاريخ ، في التتويج
سجل التاريخ .. فلتدم الفرجة الى نهاية المشوار "
لم تنته بعد فعاليات كاس اوروبا للامم التي مازالت متواصلة الى حدود المباراة النهائية التي سيحتضنها ملعب ويمبلي بلندن في 11 يوليوز المقبل , لكن السباق لم يبح بكامل اسراره بعد خروج المنتخب الفرنسي ، الامر الذي يجعل الباب مشرعا امام أحد التشكيلات الكروية التقليدية والقوية للظفر بالكاس الاوروبية ، مع احتمال حضور عامل المفاجأة بدخول احد المنتخبات المتوسطة على خط النهاية وتكذيب كافة التوقعات وانتزاع كأس اوروبا من ايدي الجبابرة الاقوياء !
واذا كانت فرنسا قد اخلفت موعدها مع المربع النهائي الذي يمر عبره القطار الاوروبي ، فانها تظل على موعد مع مرحلة التصفيات المؤهلة لكاس العالم مطلع شهر شتنبر 2021 ، للتصالح مع النتائج الايجابية ومع الأمجاد والتاريخ ومع الجماهير العاشقة . والى ذلك الحين نتساءل : هل سيترتب عن الاندحار الفرنسي ببودابست اعادة النظر في المنظومة التقنية للمنتخب والاطاحة بالناخب الفرنسي ديدي ديشان وتعويضه بالمدرب- ابن الدار -زين الدين زيدان ما يروج بقوة داخل الوساط الاعلامية الرياضية الفرنسية الذي راكم تجارب مهمة بالنادي الملكي مع احداث تغييرات قد تطال بعض الوجوه الشائخة وضخ دماء جديدة ؟؟ أم ان الجامعة الفرنسية لكرة القدم ستزكي المدرب الوطني الحالي في منصبه و تمضي في اتجاه تكريس الاستمرارية حفاظا على توازن الفريق عبر توفير الشروط الموضوعية الكفيلة بتعبيد الطريق لتجاوز المراحل الاقصائية والتأهل الى العرس العالمي بقطر 2022 والدفاع عن اللقب الذي يوجد بحوزة فرنسا ؟
الايام المقبلة وحدها كفيلة بالاجابة !!!
— محمد بوزفور —