انطلقت مناورات “الأسد الأفريقي” امس الاثنين 7 يونيو الجاري، بأكادير بمشاركة الآلاف من العسكريين.
فقد أعلن المغرب الإثنين، بأنه، و بناء على تعليمات الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، انطلقت اليوم الاثنين بأكادير التدريبات المغربية الأمريكية المشتركة “الأسد الإفريقي 2021”.
هذا، و ستتواصل التدريبات إلى غاية 18 يونيو الجاري بمناطق أكادير، تيفنيت، طانطان، المحبس، تافراوت، بن جرير والقنيطرة، بمشاركة الآلاف من العسكريين من جنسيات متعددة واستخدام عدد كبير جدا من المعدات البرية والجوية والبحرية.
وذكر بيان لأركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية، أنه -بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المغربية- يشارك في هذا التمرين: بريطانيا والبرازيل وكندا وتونس والسنغال وهولندا وإيطاليا، إلى جانب الحلف الأطلسي ومراقبين عسكريين من حوالي 30 دولة تمثل أفريقيا وأوروبا وأميركا.
وفي سابقة في تاريخ هذه التدريبات العسكرية التي انطلقت لأول مرة عام 2007، يناور الأسد الأفريقي في المحبس التي تقع في منطقة ملتهبة عند الحدود مع الجزائر، مما ينبئ بتأثير مستقبلي لهذه الخطوة على مستقبل النزاع حول الصحراء.
والمحبس هي جماعة قروية تابعة لإقليم آسا الزاك في الصحراء، يبلغ عدد سكانها -بحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004- ما مجموعه 131 شخصا، وهي أقرب نقطة لمخيمات تندوف حيث معقل جبهة البوليساريو الانفصالية.
ويرى عبد الفتاح البلعمشي أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن شمول هذه المناورات لأول مرة منطقة المحبس يعكس مضي الولايات المتحدة في موقفها الذي أعلن عنه البيت الأبيض في 10 دجنبر، والمتعلق بالإقرار بمغربية الصحراء وما تلاه من إجراءات وتدابير إدارية ورمزية، وبالتالي سقوط المخاوف التي أعلن عنها البعض والمتعلقة بتخلي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن قرار سلفه.
وأضاف البلعمشي "يتحدث المغرب عن سيطرته على هذه المنطقة، بالمقابل هناك مقولات أخرى للبوليساريو تدعي أن جزءا منها محرر".
ولفت إلى أن إدراج المحبس ضمن المناطق المستهدفة بالتمرينات العسكرية سيدحض ما يلوح به خصوم المغرب، وخاصة البوليساريو، بشأن وجود توتر وحرب وعمليات عسكرية فيها.
بالنسبة للأكاديمي والخبير المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية محمد شقير، فإن تنظيم مناورات هذه السنة يأتي في سياق مختلف، فمن جهة يأتي بعد القرار الأميركي الداعم لمغربية الصحراء، ومن جهة أخرى التوتر القائم بين المغرب وإسبانيا الذي ما زالت تداعياته متواصلة.
وتأزمت العلاقات المغربية الإسبانية منذ سماح إسبانيا بدخول زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي أراضيها بهوية مزورة لتلقي العلاج بعد إصابته بكورونا، بينما تقول مدريد إنها استقبلته لدواع إنسانية.
ويرى شقير أن تنظيم جزء من هذه التدريبات العسكرية في منطقة المحبس الصحراوية، جعل إسبانيا -التي دأبت على المشاركة في هذه المناورات سنويا- تحجم عن ذلك هذه السنة، لأن مشاركتها -بحسب قوله- ستكون بمثابة تأكيد سياسي وعسكري للقرار الأميركي بشأن الصحراء، والذي سبق أن انتقدته إلى جانب دول أوروبية أخرى.
من جانب آخر، يرى البلعمشي أن تبرير وزارة الدفاع الإسبانية غيابها عن مناورات "الأسد الأفريقي" بأسباب تتعلق بالميزانية ليس حقيقيا، قائلا "لا يمكن أن تكون إمكانيات إسبانيا أقل من تونس والسنغال اللتين تشاركان فيها".
وفي نظره، يتماشى قرار عدم المشاركة في مناورات عسكرية تشمل الصحراء، بشكل أكبر مع تصريحات الدبلوماسية الإسبانية التي تعاكس بشكل ملموس وواضح الطرح المغربي في حل النزاع.
ففيما يتعلق بمشاركة جيوش دول من أوروبا وأميركا، يوضح شقير أن تلك الدول تحاول الفصل بين سياق المناورات وسياق الإقرار الأميركي بمغربية الصحراء، بل اعتبرت أن هذه التدريبات التي تنظم سنويا تدخل في إطار إستراتيجيات مواجهة الحركات "الجهادية والمتطرفة"، وبالتالي تنظر إليها في إطارها التقني والعسكري ولم تعطها بعدا سياسيا كما فعلت إسبانيا.
ويشارك في مناورات الأسد الأفريقي -وهي أكبر وأهم تدريبات عسكرية تجرى في أفريقيا- حوالي 8 آلاف جندي و67 طائرة (21 قتالية و46 من الدعم الجوي)، و100 مدرعة وبارجات بحرية.
ويهدف هذا التمرين -بحسب بيان أركان القوات المسلحة الملكية المغربية- إلى تعزيز قدرات المناورة للوحدات المشاركة، وتعزيز قابلية التشغيل البيني بين المشاركين في تخطيط وتنفيذ العمليات المشتركة في إطار التحالف، وإتقان التكتيكات والتقنيات والإجراءات، وتطوير مهارات الدفاع السيبراني، وتدريب المكون الجوي على إجراء العمليات القتالية والدعم والتزويد بالوقود جوا، وتعزيز التعاون في مجال الأمن البحري وإجراء التدريبات البحرية في مجال التكتيكات البحرية والحرب التقليدية.
وبالإضافة إلى التكوين والمحاكاة في مجال أنشطة القيادة، وكذا التدريب على عمليات مكافحة المنظمات الإرهابية العنيفة، ستشتمل مناورات "الأسد الأفريقي 2021" تمارين للقوات البرية والجوية والبحرية، بالإضافة إلى تمارين التطهير البيولوجي والإشعاعي و النووي والكيميائي.
ويرى شقير أن أهمية هذه المناورات لا تنبع من عدد الدول المشاركة فيها أو طبيعة التدريبات فقط، بل أيضا لأنها تأتي في ظرفية سياسية تتميز بالأساس برجوع الولايات المتحدة بقوة إلى القارة الأفريقية، وتركيز إستراتيجيتها على محاربة الحركات المتطرفة التي أصبحت تنشط بشكل كبير في منطقة دول الصحراء والساحل.
وأصبحت هذه المنطقة -بحسب المتحدث- الحاضن الأساسي لهذه الحركات؛ نظرا لعدم استقرارها السياسي وضعف أجهزتها الأمنية والعسكرية، وخاصة بعد الضربة التي تلقتها في العراق وسوريا إثر القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية.
وإلى جانب التدريبات العسكرية، يتضمن برنامج المناورات أنشطة إنسانية، إذ سيتم نشر مستشفى طبي جراحي ميداني في منطقة تافراوت، سيقدم فيه أطباء وممرضون من القوات المسلحة الملكية المغربية والجيش الأميركي خدمات طبية وجراحية لصالح السكان المحليين.
وتعتبر مناورات "الأسد الأفريقي"، إحدى التدريبات الرئيسية والكبرى التي تنظمها وتديرها القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، بشراكة مع القوات المسلحة الملكية المغربية، وبمشاركة دول أخرى من مختلف القارات.