يستأثر الولاة والعمال بالاهتمام الكبير في الأسبوع الأخير، بعد أن منحت لهم كل الصلاحيات لتدبير عملية تخفيف الحجر الصحي، في وقت يعيش فيه المنتخبون "حجرا كليا"، وهو ما دفع عددا من الفاعلين السياسيين إلى التساؤل عن أسباب هذا التوجه الحكومي، واتهام رئيس الحكومة بالتخلي عن صالحياته لصالح وزيرالداخلية الذي تظهر كل المؤشرات أنه هو منسق الحرب ضد جائحة كورونا، فيما العثماني يكتفي بمهمة"الناطق الرسمي".
سواء في تنفيذ الطوارئ الصحية أو تخفيف قيودها، تتصدر وزارة الداخلية وأطرها الحدث، وبعد 10 يونيو لم يعد دور كتيبة الولاة والعمال التي تشكل الإطار الأول لهيئة رجال السلطة يقتصر على السهر على تنفيذ إجراءات الطوارئ الصحية ومنح تراخيص التنقل االستثنائية، بل سيتجاوزه إلى الإعلان الحصري عن أحوال طقس الحجر في الجهات والعماالت والأقاليم. الصحي، بعدما منحهم مرسوم تمديد الطوارئ الصحية المصادق عليه في 9 يونيو صالحيات كاملة وحصرية لاتخاذ كل التدابير التي يرونها مناسبة سواء لتخفيف أو تشديد إجراءات الحجر الصحي، مما يجعلهم مدراء »الأرصاد الجوية الخاصة بالحجر الصحي«، والمخولين الوحيدين لإخراج أي منطقة من قسم للآخر.
السلطة القوية التي منحتها الحكومة للولاة والعمال وأثارت انتقادات، تستمد مشروعيتها من مركزية وزير الداخلية في الحرب ضد الجائحة الذي منحت له شارة عمادة الفريق الحكومي، كما تجلى في إسناد مهمة التنسيق له في جل اللجان المحدثةومسؤولية تنزيل الدعم الإجتماعي للفئاتالمتضررة، في وقت بدا رئيس الحكومة سعد الدين العثماني كما لو أنه فوض مهمة التنسيق فيُ الحرب لعبد الوافي لفتيت، وفرض تغييب مثيرللمنتخبين من المساهمة في الحرب الضروس ضد كورونا، حتى بعد المرور إلى مرحلة التدبير الجهوي والإقليمي والمحلي، كما يعكسه "إقصائهم" من عضوية لجان اليقظة والتتبع التي يرأسهاالولاة والعمال وتشرف على عملية تقييم الإجراءات الواجب تنفيذها والشروط اللازم توفرها على مستوى كل عمالة وإقليم، حيث تتشكل هذه اللجان من ممثلين عن وزارة الصحة والمصالح الخارجية للقطاعات الوزارية المعنية والمصالح الأمنية فقط.
ولن يكون بإمكان المنتخبين عضوية هذه اللجان حتى مع رفع الحجر الجزئي عنهم قبل أيام بالسماح لهم أخيرا بعقد الدورات العادية والاستثنائية لمجالس الجماعات الترابية بتنسيق مع الولاة والعمال دائما، بعدما تم منع عقد دورات شهري ماي ويونيو بقرار من وزير الداخلية، رغم ما طرحه ذلك من إشكالات قانونية ودستورية في وقت لا تعرف فيه الأسباب والدوافع التي منعت عقد هذه الدورات في مواعيدها وفق إجراءات تنظيمية خاصة على غرار ما تم اعتماده في انعقاد أشغال البرلمان.
وفي خضم التطورات الجديدة المرتبطة بتدبير الحرب ضد الجائحة، اتجهت الأنظار إلى الولاة والعمال، بعد أن كان الاهتمام منصبا في الفترة السابقة على القياد "الكتيبة الثالثة في هرم رجال السلطة"، نظرا للصالحيات التي منحت لهم لإخراج البلاد من حالة الحجر الصحي، وهو الأمر الذي يحيل على الصلاحيات الواسعة التي باتوا يتمتعون بها وتجعلهم رؤساء حكومات حقيقيين في الجهات والعملات والأقاليم.
الصدارة في الشدة !
العارفون بخبايا تدبير الحكم في المملكة يعرفون جيدا أن أدوار رجال السلطة، وفي مقدمتهم الولاة والعمال كأقرب عين مباشرة للملك على رعاياه لم تتغير رغم تغيير دورهم في الدستور الجديد، من تمثيل الدولة إلى تمثيل السلطة المركزية في الجماعات الترابية، والمحاولات المتأرجحة لإبعاد صفة "الأمومة" الملازمة لوزارة الداخلية منذ عقود والتي كانوا يستمدون منها قوتهم، حيث يتوفرون - وفق النصوص التشريعية المنظمة لعملهم - على الامتيازات العامة المخولة للقوة العمومية ويتولون تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها وتنسيق عمل أنشطة المصالح الاممركزة للإدارة المركزية باعتبارهم الممثلين الوحيدين للسلطة التنفيذية ضمن الحدود الترابية للجهات والعمالات والأقاليم.
وإذا كانت القاعدة تقول إن الجهات التي تمتلك السلطة وتعرف كيف تدبرها تنتعش في أوقات الأزمات والشدة وتبرز كفاعل رئيسي يجيد التعامل مع كل الوضعيات، فإن كتيبة الولاة والعمال تبدو في ظل السلطات الضبطية والمالية والأمنية التي
تتمتع بها الأكثر قدرة على التعامل مع الأزمات، تستمد قوتها من مركزية "أم الوزارات" بالشكل المرسوم في المخيال العام والموروث عن المفهوم القديم للسلطة.
ولعل المرحلة التي يعيشها المغرب بسبب ما فرضته الحرب على كورونا شبيهة بالمراحل الصعبة التي مرت منها المملكة سابقا وفرضت عليها عددا من التحديات، والتي التزمت فيها جميعا وزارة الداخلية بتعبئة شاملة لكل طاقمها مطبوعة في معظم عملياتها بختم "سري للغاية"، ذلك أن أدوارها والأعمال المسؤولة عنها تكون في الغالب "حساسة" وتنهل مشروعيتها من الجزء
العتيق في آليات الحكم في البلاد.
ويبدو أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني يفهم ذلك جيدا، وهو الذي سارع للرد على منتقدي منح الصالحيات الواسعة للولاة والعمال خلال فترة الطوارئ، بالقول: "الولاة والعمال أعطيناهم ما أعطاهم القانون، لأنهم ممثلون للدولة، أشنو هو المشكل إذا تعطات لهم الصالحيات؟".
مرسوم لحكومة العثماني يجعل الولاة والعمال "رؤساء حكومات"
لطالما احتل الولاة والعمال مكانة معتبرة وبرزوا كفاعلين وحيدين في تدبير شؤون الدولة في الجهات والعماالت والأقاليم، لكن المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري المنشور في الجريدة الرسمية في دجنبر 2018 والذي يحدد قواعد توزيع
الإختصاص بين الإدارات المركزية والمصالح اللامركزة للدولة، جعلهم رسميا »رؤساء الحكومات« في الجهات والعملات والألقاليم، ذلك أن سياسة اللاتمركز الإداري باتت تقوم على مرتكز أساسي هو الدور المحوري لوالي الجهة باعتباره
ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، بما يحقق النجاعة والفعالية والالتقائية المطلوبة في تنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها.
والمقصود بالمصالح اللاممركزة هي:التمثيليات أو البنيات الإدارية الترابية الممثلة للإدارات المركزية،على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم، سواء كانت تابعة لقطاع وزاري معين، أو مشتركة بين قطاعين أو أكثر، كيفما كان شكل تنظيم هذه التمثيليات أو البنيات، وأيا كانت مسمياتها.
وتنص المادة 19 من الميثاق على ممارسة رؤساء المصالح اللاممركزة للدولة ومختلف العاملين مهامهم تحت إشراف والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم حسب الحالة، كما تفرض المادة 24 على السلطات الحكومية الرجوع إلى الولاة والعمال عند اتخاذ أي تدابير من أجل توجيه المصالحاللاممركزة التابعة لها في ممارسة أنشطتها ومواكبتها وتتبعها ودعمها، كما يجب عليها التنسيق معهم عندما يتم تقييم أداء المصالح اللاممركزة المعنية وعندما يتعلق الأمر بإنجاز مشاريع وبرامج عمومية مشتركة بين هذه المصالح من قبل السلطات الحكومية المعنية.
كما يمنح الميثاق للولاة والعمال، كل في دائرة اختصاصه، صالحية الاقتراح على السلطات الحكومية المعنية واتخاذ كل تدبير ذي طابع قانوني أو مالي وإداري أو تقني أو بيئي، يندرج ضمن اختصاصاتها، من شأنه تحسين أداء المصالح اللاممركزة.
عن أسبوعية الأيام