من يتذكر عبد الله كنون؟ الرجل الذي كشف للعالم أجمع عن نبوغ المغرب وعبقريته في المجال الأدبي
حلت يوم 16 شتمبر الحالي الذكرى المئوية لميلاد لعلامة عبد الله كنون(ولد يوم 16شتمبر بمدينة فاس سنة1908،و توفي في شهر يوليوز 1989 )،أي 4 سنوات قبل توقيع اتفاقية الحماية سنة 1912،هذه العائلة كباقي العائلات الفاسية الأخرى اشتهرت بالعلم و الدين و السياسة.
هذه العائلة الفاسية التي كثيرا ما تساءلنا عن سبب استقرارها بالضبط بطنجة ،لم نكن نعلم انها مجرد صدفة تاريخية،فريدة من نوعها. فعائلة كنون قررت، بعد ما أصبحت الأوضاع بفاس لا تطاق بعد توقيع اتفاقية الحماية، الهجرة إلى بلاد الشام عبر طنجة في نفس السنة التي ستندلع فيها الحرب العالمية الاولى(1914)، ،..و طالت مدة الانتظار حتى أصبح المؤقت دائم. واستقر بها المقام بصفة نهائية بمدينة طنجة.
شق عبد الله كنون كمثل اقرأنه آنذاك مساره العلمي بسرعة كبيرة،ساعدته فطنته و ظروفه العائلية و الاجتماعية، فتلقي علوم عصره ،من حفظ للقران وتفقه في العلوم الدينية.فنبغ بسرعة في اكتساب العلم و والبحث وتلقين المعرفة و نشر الثقافة. قال عن نفسه: "حفظت القرآن الكريم، وزاولت قراءة العلم على مشايخ عدة… وكان مجال دراستي ينحصر في علوم العربية والفقه والحديث والتفسير، وأما الأدب فقد كان تعاطيه هواية".فهو نموذج العالم العصامي ،الذي تلقى العلم على علماء طنجة و في مساجدها الكبرى" التي كانت بمثابة جامعات مفتوحة تعج بالعلم والعلماء وشداة المعرفة من كل الأعمار والفئات .."
لم يكتف عبد الله كنون بهذا فقط ،فقد عرف أهمية و دور التعليم في يقظة الأمم و تقدمها،فبادر إلى تأسس مدرسة إسلامية للبنين و البنات سنة 1936، ثم المعهد الديني بطنجة سنة 1945،، كما عمل أستاذا بالمعهد الديني العالي بتطوان(كلية أصول الدين حاليا). و في نفس الوقت أصدر مجلة شهرية أطلق عليها اسم"لسان الدين"، إلى جانب إصداره لعشرات المؤلفات التي ناهزت المائة ،كما ساهم بكتاباته في أهم الجرائد و المجلات العلمية آنذاك.
عرف عن عبد الله كنون غيرته الشديدة على الأدب والفكر المغربي،أ فليس هو صاحب"النبوغ المغربي في الأدب العربي"( 3 أجزاء و ما يقرب من 1000صفحة)،جوهرة كتبه و مشروعه الفكري.و الذي اقترن اسمه به،و الذي يدافع فيه عن أطروحته الأساسية و هي إعادة الاعتبار للأدب المغربي،و إبراز عظمة المغرب ،في مواجهة ما يمكن أن نسميه بالهيمنة الأدبية للمشرق،و الذي يلوم فيه في المقام الأول الأدباء و المفكرين المغاربة لإهمالهم و تهاونهم ،وجهلهم بتراثهم.
و قد كان لهذا الكتاب إشعاع فكري واسع، تجاوز الحدود الوطنية،فمن جهة أشادت و نوهت به جامعة مدريد المركزية سنة 1939، فمنحت عبد الله كنون الدكتوراه الفخرية في الأدب .حيث ترجم الى اللغة الاسبانية.كما نوه بقيمة العمل علماء بريطانيين و ايطاليين،ناهيك عن الانتشار الواسع في اوساط المثقفين و العلماء المغاربة،بينما منعت السلطات الفرنسية تداوله بالمنطقة الخاضعة لنفوذها بإصدار قرار عسكري يمنع توزيعه ومعاقبة كل متعاطي له...
إن شخصيته العلمية المتألقة مكنته من تقلد عدة مسؤوليات تربوية و إدارية و سياسية،سواء قبل الاستقلال أو بعده، حيث شغل منصب وزيرا للعدل بالحكومة الخليفية (المنطقة الخاضعة للنفوذ الاسباني بشمال المغرب)،من شهر يناير 1955 إلى تاريخ استقالته بتاريخ 16دسمبر من نفس السنة بعد رجوع محمد الخامس، ثم عين لفترة وجيزة عاملا على مدينة طنجة سنة 1957 قبل أن يستقيل في السنة الموالية،كما كان آنذاك عضوا بعدة مؤسسات و لجان ، أهمها المجلس الأعلى للتعليم الإسلامي و لجنة الأبحاث العلمية المشتركة بالرباط. و عضوا بكل من المجلس العلمي الأعلى ومجلس الدستور. كما شغل منصب الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب من سنة 1961 إلى تاريخ وفاته(1989).
إشعاع تجاوز حدود الوطن
و كان لإشعاعه صدى في الأوساط العلمية الدولية،حيث اختير سنة 1970 للمشاركة في تأليف كتاب تاريخ الأدب العربي بجامعة كمبردج بإنجلترا إلى جانب جماعة من أساتذة هذه الجامعة .
كما شارك في عدد من المجمعات اللغوية بالبلدان العربية كمصر و سورية و الأردن
و إلى جانب هذا الكتاب هناك عشرات الكتب التي لا تقل أهمية،في مختلف المجالات الفقهية و الأدبية و التاريخية و الشعرية...،من بينها:
ذكريات مشاهير رجال المغرب"،و "مدخل في تاريخ المغرب"،و "أحاديث عن الأدب المغربي الحديث"، "مناهل في أخبار الملوك الشرفاء"،....تضاف إليها تحقيقه لكتب و مخطوطات عديدة.
إلى جانب ذلك، ترك الراحل عدة كتب لم تجد بعد طريقها إلى النشر، ومنها “شخصيات مغربية” كتاب يرصد 150 شخصية مغربية،أو قل 150 عبقرية مغربية، اثبتت ريادتها في مختلف فنون المعرفة، دواوين شعرية ومذكرات غير شخصية..
كما يجب التذكير بان الراحل كان من بين موقعي "بيان من علماء و مثقفي المغرب حول سياسة التعليم و الغزو اللغوي و الاستعماري للمغرب العربي"بتاريخ 23 مايو 1.1973
"النبوغ المغربي" .. الدفاع عن الشخصية الأدبية المغربية المتميزة
تجدر الإشارة إلى هناك طبعة ثانية للكتاب،حيث راجع و صحح و قوم فيها عبد الله كنون عدد من الأفكار و الأحكام.
إن الفكرة الأساسية لأطروحته إذا صح القول، ينطلق فيها من كون" المغرب يتمتع بهوية أصيلة و شخصية متفردة" إلى "إبراز النبوغ الأدبي والثقافي للمغاربة، وبيان دورهم في طرق مختلف الأغراض الشعرية والأجناس الأدبية ".،وإبراز الكنوز الأدبية والفكرية التي يتوفر عليها المغرب . و تبيان عقوق المشارقة تجاه الأدب المغربي.كما عمل الراحل عبد الله كنون على توسيع إشعاع الأدب المغربي على المستوى العربي.
و تقديرا منه لدور العلم و المعرفة،و اعترافا بوفائه لمدينة طنجة ،أهدى مكتبته إلى بلدية مدينة طنجة، حيث مازال الطلبة و الباحثين يترددون عليها.
اعتذر عن الاختصار و التركيز، فالإرث الفكري و العلمي للراحل عبد الله كنون
لا توفيه هذه الكلمة حقه،و الباحثون مطالبون بإعادة اكتشافه. احد الذين دافعوا عن "هوية مغربية أصيلة و شخصية متفردة".