إن الاحتجاجات الضخمة، التي انطلقت يوم الجمعة الماضي، في الجزائر، ضد ترشيح الرئيس الثمانيني، عبد العزيز بوتفليقة، لفترة رئاسة خامسة، قد أوجدت وضعا غير مسبوق، في بلاد يحكمها العسكر.
أربك الوضع الجديد، نظام العسكر، الذي يستثمر أكثر موارده في شراء الأسلحة العسكرية، فلم تشهد الجزائر يوما إلى الآن، أكبر حشد تظاهري منذ وصول بوتفليقة إلى السلطة في عام 1999.
عبد العزيز بوتفليقة.. “الرئيس المريض”
ولد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عام 1937 في مدينة وجدة المغربية، على بعد خمسة كيلومترات من الحدود مع الجزائر، وعندما بدأت حرب الاستقلال (1954-1962)، كان عمره 17 سنة، وفي العام 1956، وعمره حينها 19 سنة، عبر الحدود من المغرب للانضمام إلى جبهة التحرير الوطني (FLN)، وفي نهاية الحرب، وبعد استقلال الجزائر، تم تعيين الشاب ذو الـ25 سنة، وزيرا للشباب والرياضة والسياحة، ليعين بعدها بسنة وزيرا للخارجية.
وعانت البلاد من حرب أهلية في التسعينيات، (العشرية السوداء)، التي ما زالت أهوالها في ذاكرة الجزائريين، وكان بوتفليقة الرجل الذي اختاره الجيش لإحلال السلام في البلاد، عندها ظهر في أول انتخابات رئاسية، في عام 1999 ولم يغادر منصبه بعد ذلك.
وتغلب النظام في الجزائر على الربيع العربي عام 2011، دون أن يخرج الشباب إلى الشوارع، مقابل ذلك، منحت الدولة للشباب، الملايين من الاعتمادات غير قابلة للاسترداد، وقد استفاد النظام حينها من رياح ارتفاع أسعار النفط.
سعيد بوتفليقة.. سلطة الظل
شعار “الشعب لا يريد لا بوتفليقة ولا سعيد”، كان واحدا من أكثر الشعارات، التي رددت في مظاهرات الشعب الجزائري ضد الولاية الخامسة.
سعيد بوتفليقة، 61 سنة، هو الشقيق الأصغر للرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، رجل منغلق في وجه الإعلام، ونادراً ما يُرى في الأماكن العامة، يشغل منصب المستشار الرئاسي، لكن المرسوم الذي عين من أجله لم ينشر أبداً.
سعيد هو أصغر إخوة بوتفليقة التسعة، درس علوم الكمبيوتر في الجزائر، وحصل على الدكتوراه في باريس، قبل توليه المزيد من الصلاحيات في النظام الجزائري، كان مسؤولاً عن شبكة الكمبيوتر في “المرادية”، القصر الرئاسي.
وبالنسبة للعديد من الجزائريين، فسعيد بوتفليقة، هو الذي يمارس السلطة الحقيقية “في الظل”؛ بدأت تظهر سلطته منذ مرض الرئيس الأول في عام 2005، وزادت بعد مرضه الأخير 2013، والذي أقعده.
ويقول متتبعون للشأن الجزائري، أنه بغض النظر عن مدى قوة سعيد، ومدى ضعف عبد العزيز بوتفليقة، إلا أنه يتعين على سعيد، الاعتماد على الجيش لاتخاذ القرارات المهمة.
ثورة شباب سئم من بوتفليقة
يمثل الشباب الأقل من 25 سنة، نسبة 47 بالمائة، من إجمالي سكان الجزائر، الدولة التي تحتل الرتبة الـ15 في تصدير النفط والغاز.
شباب الجزائر لم يعودوا يصدقون النظام، بل فقدوا الثقة فيه، ويظهر هذا في مسيرات الطلبة الجزائريون في جل جامعات الجزائر، ضد الولاية الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وفي هذا المناخ من التوتر السلمي المتزايد، عاد الآلاف من الشباب إلى وسط العاصمة، رافعين شعار “لا ولاية خامسة!”، في أكبر الحراكات الشعبية التي لم تشهدها الجزائر منذ العقد الماضي.
ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية، “إيفي”، تصريح الشاب علي، وهو طالب في الهندسة المعمارية، ضمن الطلبة الذين يحتجون في وسط الجزائر العاصمة، “لقد تعبنا من بوتفليقة، والجزائر تحتاج إلى رئيس الذي يحكم حقا، لتعطينا المستقبل، إننا نشعر بالخجل”.
رفض لديموقراطية الثبات
في هذا الشأن، يقول رشيد لزرق، الباحث في العلوم السياسية، وخبير القضايا العربية، في تصريح لـ“بلبريس”، أن حراك الجزائر “يأتي رافضا لديمقراطية الثبات، ومطالبا بضرورة فسح المجال أمام التغيير، لكن يقابله المستفيدون من الوضع القائم، الذين ولحدود الآن لم يستطيعوا التوافق حول شخصية أخرى من دون بوتفليقة، بما يعبر عن أزمة نظام جزائري ككل”.
وأضاف لزرق، أن جوهر الصراع اليوم في الجزائر، “هو المرور من الشرعية النضالية إلى الشرعية المواطنة، ولحدود الآن ورغم أن العديد ممن شاركوا في حرب الاستقلال ماتوا، أو بلغو من الكبر عتيا فإن قوة الأشياء كانت تستوجب انفتاح النظام السياسي على جيل ما بعد الاستقلال، والدخول لجمهورية ثانية حقيقية؛ تفرض التغيير الديمقراطي، خاصة في ظل الاحتقان الاجتماعي، والأزمة الاقتصادية اللذان يخنقان الجزائر”.
ويرى الخبير في القضايا العربية، أن المستفيدين من الوضع الحالي “يذهبون إلى درجة المراهنة على رجل تقدم كثيرا في العمر، وأوضاعه الصحية لا تساعده بالمرة على تدبير الحكم، في خرق سافر للمادة 102 من الدستور الجزائري، التي تنظم حالة إثبات شغور منصب رئيس الجمهورية، إما بالمرض أو العجز”.
ويعتبر لزرق، أنه رغم الاستحالة التي تقف في وجه الرئيس بوتفليقة “لممارسة مهامه كرئيس للجمهورية الجزائرية بالنظر إلى مرضه المزمن، إلا أنه ومن الناحية العملية يلاحظ جليا، أن النخبة المتحكمة في النظام الجزائري، المدعومة من طرف الغرب خاصة فرنسا، تراهن بقوة على امتصاص الحراك، الذي ينفس على الاحتقان السياسي والاجتماعي، التي تعرفه الجزائر التي تعيش أزمة حكم”.
ويرى متحدثنا، أن مع انتفاء الضغوط الخارجية فإن الحكومة الجزائرية، “تجد نفسها غير مجبرة على فتح نقاش مع المحتجين، خاصة وأن الحراك لم يفرز قيادة واضحة، ولا يمكن للمعارضة أن تتبناه لهذا يصعب "إخراج" شخصية يوكل لها أمر التغيير، رغم التعبير عن الغضب العارم”.
ويشدد لزرق، على أن التغيير في الجزائر، “مقرون بحدوث توافق بين المتحكمين في خيوط النظام وفرنسا، وكذا ظهور شخصية قادرة على خلافة بوتفليقة، على أن توافر هذين الشرطين هو ما يكفل حدوث تغيير على قمة هرم السلطة في الجزائر، وهو أمر يبدو أهون من حدوث تغيير يكون خلاصة انتخابات حرة ونزيهة”.
وخلص لزرق، إلى أن الجميع لا يغفل كون “خروج الأمور على السيطرة سيؤدي لا محالة إلى تفتيت الجزائر”، مضيفاً، أن “تأجيل التغيير في الجزائر ينتصر للفريق المناصر لتوجه الـ"ستاتيكو" كما هو مرغوب من لدن الاتحاد الأروبي خاصة منه فرنسا التي لا ترغب في خوض مغامرة التغيير في المنطقة المغاربية حفاظا على مصالحها فيها”.
ويترقب، الجزائريون والعالم الذي يتابعهم، كيف ستكون المسيرة القادمة في الأول من مارس المقبل، التي قرر تنظيمها عشية الذكرى الثانية والثمانين لميلاد رئيس الجمهورية، الموجود حالياً في جنيف لإجراء فحوص طبية.