تواجه فرنسا في الاونة الاخيرة مشاكل اقتصادية خطيرة ،فالاقتصاد الفرنسي في حالة من الاضطراب الكامل وماكرون يبدو أنه أصبح يائسًا. فنحن اليوم نعرف أسباب الاحتجاجات الفرنسية، ولكن من المهم التأكيد على الأضرار الاقتصادية التي تعاني منها فرنسا، فالبلاد على شفا ركود اقتصادي بنمو نسبة الناتج المحلي الإجمالي ب 0.2٪ فقط في الربع الأول.
فإذا لم يتمكن ماكرون من السيطرة على الفوضى، فإن البلاد تواجه خطر الاشتعال من جديد. حتى الآن، تسببت الاحتجاجات في أكثر من مليار دولار من الأضرار فقط للشركات.، والسياح أيضًا يلغون خطط عطلاتهم، مما يعد خبرًا رهيبًا لباريس.
فبين الشركات الخاصة فقط، هناك مائتي متجر نهب، وثلاثمائة فرع مصرفي مدمر، ومائتين وخمسين متجر مدمرا كذلك، فإذا كنت مستثمرًا أو رجل أعمال، ستكون حتما مرعوبًا من فتح عمل تجاري في فرنسا، حتى إذا كنت مؤمنًا بالتأمين، سترتفع تكاليف التأمين بشكل حاد بسبب تزايد تكرار الاحتجاجات.
من المهم أن نتذكر أن هذا هو الاحتجاج الثاني في ثلاثة أشهر بعد الاحتجاجات المتعلقة بالتقاعد. حتى الآن، تم تقديم طلبات تعويض تقريبا بلغ عددها ستة آلاف إلى شركات التأمين الفرنسية، بإجمالي أكثر من ثلاثمائة مليون يورو، و هذا يزيد من الضغط على الاقتصاد.
ولكن ليست الشركات والمتاجر فقط التي تتعرض للتدمير، بل المواطنون العاديون أيضًا يعانون. ففي الخمسة أيام الأولى من الاحتجاجات، تم إحراق نحو خمسة آلاف سيارة، منها ألفي سيارة في يوم واحد فقط. الضحايا لا يستطيعون حتى الوصول إلى أعمالهم ويجب عليهم إنفاق المزيد من المال لإيجاد وسيلة بديلة للتنقل.
ما نراه هي مجموعة من القضايا الاجتماعية التي تنفجر في فرنسا، مشاكل الهجرة وعدم المساواة الاجتماعية تظهر من كل جانب. فرنسا تواجه اختلافًا هائلاً في الثروة، فليس من النادر أن نرى فيراري تمر أمام مشرد على بعد بضعة أمتار.
فإذا نظرنا إلى مناطق الاحتجاج، يمكننا أن نرى أن أفقر ضواحي البلاد هي التي تحترق، الأرقام مرعبة فحوالي 57٪ من الأطفال يعيشون هناك في فقر، ثلاث مرات أكثر من المتوسط الوطني.
في فرنسا، إذا حاولت الخروج من الفقر، فإن ذلك تقريبًا مستحيل، فسكان هذه المناطق ثلاث مرات أكثر عرضة للبطالة، مما يجعل أي تنقل اجتماعي وهميًا. فاذن يجب على ماكرون العمل على استقرار الاقتصاد الفرنسي وحل الوضع، وإلا فإن احتمال اندلاع احتجاجات جديدة قائم.
كما تواجه فرنسا خطر الانزلاق إلى الركود، للأسف، يبدو أن هذا أمر صعب لأنه قد يكون النهاية المحتملة لفرنسا هي الركود الاقتصادي، فوفقًا لنشرة بلومبرج من المحتمل أن يكون الاقتصاد الفرنسي قد تقلص بنسبة 0.5٪ في الربع الثاني.
فبيانات يونيو تشير إلى انكماش في الإنتاج التصنيعي والخدمات، وهو أمر مظلم جديد. إذا تبين أن ذلك صحيحًا، فقد تكون فرنسا قد دخلت بالفعل في ركود، وذلك قبل حتى اندلاع الاحتجاجات، وهذا ليس مفاجئًا بما أننا ندخل في ركود عالمي.
الاقتصاد يتباطأ وفرنسا ليست محمية، مؤشر PMI الفرنسي يتراجع إلى ما دون الخمسين، مشيرًا إلى انكماش في قطاعي التصنيع والخدمات، مع استمرار الاحتجاجات، ستزداد هذه النظرة سوءًا عندما تندلع مدن وقرى في جميع أنحاء فرنسا بالاحتجاجات فهذا يؤثر على الإنتاج والطلب على حد سواء.
السؤال الكبير هنا، هو ما إذا كانت فرنسا ستنزلق إلى ركود اقتصادي و هي سابع أكبر اقتصاد في العالم بناتج محلي إجمالي يبلغ حوالي ثلاثة تريليونات دولار، وهي أيضًا ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، خلف ألمانيا.
إذا انهارت فرنسا، فيتشهد تأثير دومينو يمتد في أوروبا بأكملها اذن من الضروري فهم أن الوضع حرج لقطاع السياحة في فرنسا، فإلغاءات الرحلات تتزايد بسبب الاضطرابات العنيفة، كما أن الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، كندا، وحتى الصين جميعها أصدرت تحذيرات لمواطنيها بعدم السفر إلى فرنسا.
لذلك، يمكن أن تضر هذه الاحتجاجات اقتصاد فرنسا بشكل كبير، وهذا ليس مجرد مسألة أضرار مادية ببليون دولار، بل إنها أيضًا مسألة صورة فرنسا كوجهة سياحية، فمن الضروري بالنسبة لماكرون استقرار الاقتصاد وتجنب الركود، لأن العواقب قد تكون كارثية لفرنسا وقد تؤثر على جميع أنحاء أوروبا، لذلك يجب على ماكرون التصرف بسرعة وبشكل حاسم لاستعادة ثقة المستثمرين ورجال الأعمال.
من الضروري أيضًا اتخاذ إجراءات لحل المشكلات الاجتماعية العميقة التي تشجع الاحتجاجات فيجب معالجة عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية بطريقة جدية ومستدامة. فربما قد حان الوقت لتنفيذ سياسات تهدف إلى تقليل الفقر وتعزيز التنقل الاجتماعي الفرنسي.
يجب اتخاذ إجراءات لضمان سلامة الزوار ولتعزيز معالم الجذب السياحية في البلاد، وأخيرًا، من الضروري إعادة النظر في السياسة الضريبية في فرنسا. الضرائب المرتفعة بشكل مفرط تحبط الإنفاق والاستثمار، فمن الضروري العثور على توازن بين جمع الإيرادات الضريبية الضرورية والحفاظ على بيئة ملائمة للأعمال.
لا ننكر أن الوضع في فرنسا حرج، ولكن لا يزال بالإمكان تصحيح الوضع مع اتخاذ الإجراءات المناسبة، وإيلاء الاهتمام المستمر للقضايا الاجتماعية، وتحقيق رؤية استراتيجية للاقتصاد.
و لذلك، يتطلب هذا تصرفًا سريعًا وحازمًا من الحكومة وقادتها فقد حان الوقت للتحرك، والعمل، وإيجاد حلاً مبتكرًا لإنقاذ الاقتصاد الفرنسي وللحفاظ على رفاهية مواطنيها، لقد تجاوزت فرنسا تحديات في الماضي ويمكنها القيام بذلك مرة أخرى.