أظهر تقرير حديث لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي أن الدار البيضاء ما تزال تسيطر على خريطة الاستثمار في المغرب، إذ تجذب مع جهة الدار البيضاء–سطات أكثر من 70% من الاستثمارات الوطنية، إلى جانب جهتي طنجة–تطوان–الحسيمة والرباط–سلا–القنيطرة.
ويرجع التقرير الذي اطلعت عليه بلبريس، هذه الهيمنة التاريخية إلى ما تتوفر عليه المدينة من بنية تحتية متقدمة، وسوق استهلاكية واسعة، إضافة إلى قربها من الموانئ والمطارات الكبرى، ما جعلها الوجهة المفضلة للشركات الصناعية والخدماتية الكبرى.
وأوضح التقرير أن العاصمة الاقتصادية استقطبت استثمارات مهمة في مجالات الصناعة التحويلية، خاصة في قطاعي السيارات والطيران، إلى جانب العقار والطاقات المتجددة.
ومع ذلك، أشار المصدر نفسه، إلى وجود إشكالات بنيوية تحد من فعالية الاستثمار ومردوديته، حيث إن تحقيق نقطة نمو واحدة يتطلب استثمارات ضخمة، في ظل مردودية عامة لا تتجاوز 9.4% على المستوى الوطني.
كما طرح المركز تساؤلات حول قدرة هذه الاستثمارات على خلق قيمة مضافة حقيقية وتوليد فرص عمل مستدامة، خاصة أن الدار البيضاء تعاني من نسب بطالة مرتفعة، خصوصا بين الشباب وحاملي الشهادات.
فالمشاريع الكبرى، رغم أهميتها، غالبا ما تعتمد على التكنولوجيا الحديثة والأنشطة الرأسمالية أكثر من اعتمادها على اليد العاملة.
وتشير التقديرات إلى أن تكلفة خلق منصب شغل قار في الصناعات الكبرى بالمدينة قد تتجاوز 520 ألف درهم، وهو ما يمثل تحديا أمام السياسات الرامية إلى تحقيق إدماج اجتماعي أفضل.
كما سلط التقرير الضوء على مجموعة من العراقيل، أبرزها تعقيد المساطر الإدارية، وبطء البت في النزاعات التجارية والعقارية، إضافة إلى محدودية نجاعة بعض المراكز الجهوية للاستثمار.
ومن بين الإكراهات أيضا ارتفاع كلفة العقار الصناعي المجهز، التي قد تتجاوز 1200 درهم للمتر المربع في بعض المناطق كبرشيد، وهو ما يصعّب على المقاولات الناشئة والصغيرة والمتوسطة الاستقرار والتوسع.
وفي المقابل، اعتبر التقرير أن ميثاق الاستثمار الجديد لسنة 2023 يمثل فرصة حقيقية للدار البيضاء لإعادة التوازن وتوجيه الاستثمارات نحو قطاعات ذات قيمة مضافة وأثر اجتماعي أكبر. إذ يهدف الميثاق إلى تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات بحلول 2026، منها 350 مليار درهم من القطاع الخاص.
وخلص مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي إلى أن نجاح الدار البيضاء في الاستفادة من هذا الميثاق يتطلب تفعيل آليات عملية لتبسيط الإجراءات، وتعزيز الشفافية، وربط الاستثمار بالبحث العلمي والابتكار.
كما شدد على ضرورة دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتطوير منظومة التمويل البديل، وإدماج الأبعاد البيئية والاجتماعية في اختيار المشاريع.