هل يدفع ترامب بنظام تجاري عالمي جديد؟

تشهد السياسات التجارية الأميركية تحولات لافتة، تفرض على العالم إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية الدولية، انطلاقاً من الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لا سيما عبر الرسوم الجمركية وإعادة تقييم الاتفاقيات التجارية.

تثير هذه السياسات أسئلة حول طبيعة النظام التجاري العالمي الحالي، وما إذا كانت الولايات المتحدة تسعى لإعادة تشكيله وفق مصالحها المباشرة، أم أنها مجرد رد فعل تكتيكي لمواجهة تحديات داخلية وخارجية.

يشير تقرير لمعهد بيترسون للاقتصاد العالمي إلى أن الرسوم الجمركية الأميركية التي فُرضت في السابع من أغسطس لم تكن مفاجئة، إذ جاءت ضمن النطاق الذي وعد به ترامب في حملته الانتخابية. وقد بلغت هذه الرسوم في المتوسط 17 بالمئة، وهو مستوى يعيد الولايات المتحدة إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية. كما يوضح التقرير أن هذه الرسوم غالباً ما تكون تمييزية مقارنة بالضرائب المفروضة على المنتجات المحلية أو المنتجات المستوردة من دول أخرى.

ويرى التقرير أن النهج الأميركي الجديد يقوم على أن تعيد كل دولة التفاوض على ترتيباتها التجارية مع جميع الدول الأخرى، ما يعني عملياً أن الولايات المتحدة تريد التعامل الثنائي بدل النظام الجماعي الذي تشرف عليه منظمة التجارة العالمية. لكن هذا المسار يتطلب امتلاك قوة اقتصادية أو سياسية لإحداث التوازن، وهو ما تمتلكه الصين والاتحاد الأوروبي بالأساس.

في هذا السياق، يؤكد خبراء أن رؤية ترامب الاقتصادية ترتكز على مبدأ “أميركا أولاً”، بعيداً عن تحرير التجارة وتعزيز التبادل المفتوح، مع ربط التجارة بالأمن القومي وقوة الدولة وهيبتها، ما يجعلها أداة استراتيجية لإعادة تموضع الولايات المتحدة على الصعيد العالمي.

مع ذلك، يظل السؤال مطروحاً حول ما إذا كانت هذه السياسات تشكل نظاماً تجارياً عالمياً جديداً، أم أنها مجرد موجة حمائية مؤقتة تقوم على الضغط السياسي والتفاوض الثنائي أكثر من اعتمادها على إطار مؤسساتي جامع.

من جانبه، يرى الدكتور محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية، أن سياسات ترامب لا تهدف إلى تأسيس نظام جديد بقدر ما تسعى إلى تعظيم المكاسب القومية المباشرة عبر الرسوم الجمركية والاتفاقيات الثنائية.

ويعتبر أن المؤسسات الدولية بالنسبة لواشنطن أدوات ظرفية يمكن تجاوزها متى اقتضت المصلحة، ما يجعل التجارة أداة ضغط جيوسياسية لإعادة تشكيل موازين القوى العالمية.

أما تقرير لوكالة بلومبيرغ، فيشير إلى أن هذه السياسات دفعت الصين إلى تعزيز تجارتها واستثماراتها في دول الجنوب العالمي، حيث تضاعفت صادراتها إلى تلك الدول خلال العقد الماضي، مقابل نسب نمو أقل بكثير نحو الولايات المتحدة وأوروبا.

ويرى خبراء أن هذه الدينامية قد تؤدي إلى خلق نظام تجاري عالمي جديد، يتمحور أكثر حول دول الجنوب، مع بروز الشركات الصينية متعددة الجنسيات كلاعبين رئيسيين في التجارة الدولية.

 

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *