الإيكونوميستا: المغرب يزاحم أوروبا في صناعة السيارات

أفادت صحيفة الإيكونوميستا الإسبانية” بأن المغرب بات على أعتاب تجاوز دول أوروبية رائدة في صناعة السيارات، مثل إيطاليا، وبولندا، ورومانيا، وذلك بفضل طفرة استثمارية متسارعة تشهدها المملكة في هذا القطاع الاستراتيجي، إلى جانب نمو لافت لقطاع السياحة، وهو ما يضع الاقتصاد الإسباني أمام تحدٍّ تنافسي جديد.

ووصفت الصحيفة، استنادًا إلى محللي بنك “جي بي مورغان”، الاقتصاد المغربي بأنه يمثل نسخة “منخفضة التكلفة من إسبانيا”، بفضل اعتماده على ركيزتين رئيسيتين هما السياحة وصناعة السيارات، في مسار تنموي يعيد إلى الأذهان النموذج الاقتصادي الذي تبنته إسبانيا خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

نمو اقتصادي مستقر وتدفقات استثمارية قوية:

وتُظهر التوقعات أن الناتج المحلي الإجمالي المغربي سيحقق نموًا بنسبة 4% خلال عام 2025، مع ترجيحات باستمرار هذه الوتيرة خلال عامي 2026 و2027، ويعكس هذا الزخم استقرارًا اقتصاديًا مدعومًا بتدفقات قوية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، لا سيما في قطاعات ذات قيمة مضافة مثل السيارات والنقل الجوي.

وفي الربع الأول من سنة 2025، سجل الاقتصاد المغربي نموًا بلغ 4.8% على أساس سنوي، مستفيدًا من تحسن الطلب الداخلي وتراجع معدل التضخم، إضافة إلى الأداء الإيجابي للقطاعات غير الزراعية، خصوصًا قطاع الصناعة الذي نمى بنسبة 4.5% مقارنة بـ3.2% في السنة السابقة.

صناعة السيارات: دعامة تشغيلية وتنافسية:

وبحسب “الإيكونوميستا”، بلغ إنتاج السيارات في المغرب أكثر من 350 ألف وحدة خلال النصف الأول من 2025، بزيادة سنوية قدرها 36%، ما عزز من مكانة المملكة كمنصة صناعية صاعدة في إفريقيا. وتوقعت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” البريطانية أن المغرب بات مرشحًا فعليًا لتجاوز إنتاج كل من إيطاليا وبولندا ورومانيا، خاصة مع توسّع المصانع في طنجة والقنيطرة بدعم من استثمارات أوروبية وصينية.

ويُشكّل قطاع السيارات اليوم أكثر من 10.4% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشغل نحو 220 ألف وظيفة، كما يمثل أكثر من ربع صادرات المغرب، بحسب معطيات وزارة الصناعة والتجارة، وتبرز في هذا السياق استثمارات ضخمة لشركات مثل “رونو” و”سيتروين”، التي تعتزم رفع إنتاجها إلى 100 ألف سيارة إضافية بحلول 2027.

السياحة… قاطرة أخرى للنمو:

في قطاع السياحة، سجل المغرب ارتفاعًا بنسبة 16% في أعداد الزوار خلال النصف الأول من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ما يعزز مداخيل العملة الصعبة ويساهم في تقليص عجز الحساب الجاري، الذي انخفض إلى 1.1% من الناتج المحلي في الربع الأول من 2025، مقارنة بـ1.7% في 2024. ووفق التقرير، من المرتقب أن يتحول هذا العجز إلى فائض طفيف خلال الفترة المقبلة.

موقع استراتيجي وجاذبية استثمارية:

أكد تقرير الصحيفة الإسبانية أن موقع المغرب الجغرافي، إلى جانب استقراره السياسي وتكلفة اليد العاملة المنخفضة، يجعله خيارًا مفضلًا للمستثمرين الباحثين عن التصنيع القريب من السوق الأوروبية، كما أن البنية التحتية الصناعية والنقلية للمملكة، خصوصًا عبر موانئ مثل طنجة المتوسط، تضيف إلى هذا التميز التنافسي.

وفي سياق متصل، تستعد المملكة لإطلاق مشروع ضخم لبناء أكبر حوض لبناء السفن في إفريقيا بمدينة الدار البيضاء، بمساحة تضاهي ثلاثين ملعب كرة قدم، ما يضعها في منافسة مباشرة مع موانئ وصناعات بحرية في جنوب أوروبا، ومنها إسبانيا.

الطاقة المتجددة: رهان مستقبلي:

من بين عناصر القوة المستقبلية للمغرب، وفق التقرير، توفره على مصادر طاقة متجددة واعدة. فقد أكد خبراء الطاقة أن المملكة تمتلك من أفضل الموارد الشمسية والريحية على مستوى العالم، ما يفتح أمامها آفاقًا واسعة لتأمين الطاقة النظيفة الرخيصة، وتحقيق مكاسب صناعية واقتصادية على المدى الطويل.

وفي ضوء هذه المؤشرات، يبرز المغرب كقصة نجاح صاعدة في شمال إفريقيا، يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ موقعه كفاعل اقتصادي إقليمي، وحتى عالمي، في قطاعات تعتبر مفصلية في الاقتصاد المعاصر.
ويبدو أن هذا التقدم لا يمر مرور الكرام في العواصم الأوروبية، خصوصًا مدريد، التي تراقب بقلق نمو جارها الجنوبي وتحوله إلى منافس حقيقي في ميادين كانت تقليديًا ضمن نطاق نفوذها الاقتصادي.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *