شهدت المملكة المغربية منذ بداية شتنبر 2024 حتى مارس 2025 مجموعة من التغيرات الهامة في الحالة المائية، نتيجة تباين التساقطات المطرية خلال هذه الفترة.
وبينما يرى متتبعون أن الامطار الأخيرة أنعشت أمال الفلاحين وساهمت في رفع مخزون بعض السدود غير أنها تبقى دون المؤمل بحسب الخبراء بسبب توالي سنوات الجفاف بالمغرب.
فنسبة ملء السدود بالمغرب سجلت ارتفاعًا طفيفًا، حيث بلغت 35.30% إلى غاية 17 مارس 2025، وفقًا للمعطيات الصادرة عن وزارة التجهيز والماء.
ويمثل هذا الارتفاع زيادة بنسبة 0.49% مقارنة بالفترة السابقة، ليصل المخزون المائي الإجمالي إلى 5.943 مليون متر مكعب.
وكشفت الإحصائيات أن نسبة ملء السدود تختلف من حوض مائي إلى آخر، حيث سجل حوض اللوكوس أعلى نسبة ملء بلغت 57.46%، في المقابل، سجل حوض أم الربيع أدنى نسبة ملء بلغت 9.30%، يليه حوض سوس ماسة بنسبة 21.89%، وهو ما يعكس استمرار العجز المائي في بعض المناطق رغم تحسن المعدلات العامة.
ورغم التحسن الطفيف في نسبة ملء السدود، لا تزال المملكة تواجه تحديات مرتبطة بندرة المياه، خاصة في المناطق التي تعاني من انخفاض المخزون المائي، مما يستدعي تعزيز سياسات الترشيد والاستخدام الأمثل للموارد المائية.
فهل تساهم هذه الامطار في عبور معضلة الجفاف والإجهاد المائي أم هناك حاجة ملحة لاستراتيجية وطنية وسياسة مائية محكمة ؟
في هذا الصدد قال حكيم الفيلالي أستاذ باحث في علم المناخ وعضو الجمعية الافريقية لعلم المناخ: «لقد مر المغرب فعلاً بسادس عام من الجفاف، وهو جفاف يأتي بشكل طبيعي في وقت يتزايد فيه الطلب على الموارد المائية، سواء في الزراعة أو الصناعة أو مياه الشرب».
وشدد الفيلالي، في حديث مع بلبريس على أن الأمطار الأخيرة التي شهدها المغرب لا يمكنها وحدها حل أزمة الجفاف المستمرة منذ ست سنوات. وأوضح الفيلالي في تصريح خاص لجريدة بلبريس الإلكترونية أن المملكة تمر بسادس عام من الجفاف في وقت يتزايد فيه الطلب على الموارد المائية في مختلف القطاعات.
وبينما اعترف الفيلالي بأهمية الأمطار الأخيرة في تجديد احتياطيات السدود والمياه الجوفية، حذر من التراخي قائلاً: "للأسف، نعتقد أحيانًا بذاكرة سمكة، حيث تجعلنا الأمطار التي استمرت لأسبوعين ننسى ما مررنا به لأكثر من ست سنوات".
وأشار الباحث في تصريحاته لجريدة بلبريس الإلكترونية، إلى أن المغرب معتاد تاريخيًا على فترات جافة ورطبة متناوبة، موضحًا أن "ما نعيشه اليوم من تغيرات مناخية — تسلسل السنوات الجافة والمطرية — هو سمة وجزء لا يتجزأ من هوية المناخ في المغرب". وأضاف: "ما هو جديد هو زيادة شدة الأحداث المناخية المتطرفة، سواء كان الجفاف الشديد أو الفيضانات الحادة أحيانًا".
وأكد الفيلالي أن الأمطار الحالية، رغم أهميتها، "لا يمكن أن تجعلنا ننسى الضغط المائي الذي نعيشه وما زلنا نعيشه في العديد من المناطق، ولا يمكنها سد العجز في السدود والمياه الجوفية". وبحسب رأيه، "ستظل المشكلة قائمة إذا لم نركز على الاستهلاك، لأن ما وصلنا إليه اليوم ليس فقط بسبب الجفاف، بل بسبب الزيادة غير المسبوقة في استهلاك الموارد المائية".
وكشف الفيلالي عن تناقض لافت في السياسة المائية بالمغرب، مشيرًا إلى أنه "خلال هذه السنوات الست من الجفاف، سجل المغرب أرقامًا غير مسبوقة في صادراته الزراعية، وهو ما يعكس مشكلة كبيرة في السياسات الزراعية والمائية في المغرب ويبرز التناقضات بينهما".
ودعا الباحث إلى اتخاذ تدابير عاجلة تشمل "ترشيد استهلاك المياه، ومراجعة السياسات المائية والزراعية، وتنفيذ القوانين المتعلقة باستهلاك المياه"، معتبرًا إياها ضرورية للخروج من حالة الضغط المائي. كما انتقد تأخر تنفيذ المشاريع الإنشائية المخطط لها، خاصة محطات تحلية المياه التي كان من المفترض أن تكون جاهزة في 2016.
وأشار الفيلالي إلى أن "91% من الآبار غير مرخصة"، مؤكدًا على عدم الامتثال الواسع لقانون المياه 36.15، ودعا إلى "تأسيس سياساتنا العامة والمائية والزراعية على أن المغرب، بسبب موقعه، سيظل منطقة ذات سنوات جافة ورطبة متناوبة"، مختتمًا بأنه "حان الوقت لربط المسؤولية بالمحاسبة".