يتميز المغرب بموقع جغرافي استراتيجي فريد، حيث يمتد على واجهتين بحريتين مهمتين: واجهة شمالية على البحر الأبيض المتوسط تمتد لمسافة 512 كيلومتراً، وواجهة غربية على المحيط الأطلسي بطول 2,934 كيلومتراً. وبهذا التموضع الجغرافي المميز، يتمتع المغرب بساحل إجمالي يتجاوز 3,400 كيلومتر، محتضناً مساحة بحرية تقدر بـ 1.2 مليون كيلومتر مربع، تعد من أخصب المياه وأغناها بالثروة السمكية على مستوى العالم.
وقد مكن هذا الموقع الاستراتيجي المغرب من تبوء مكانة مرموقة في القطاع السمكي، حيث يتربع على عرش إنتاج وتصدير الأسماك في القارة الأفريقية، وخاصة السردين. ويشكل هذا القطاع الحيوي رافعة اقتصادية مهمة، إذ يساهم بنسبة 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر فرص عمل هائلة تقدر بـ 220 ألف وظيفة مباشرة و500 ألف وظيفة غير مباشرة.
ويعود تاريخ تطور الصيد الحديث في المغرب إلى مدينة الدار البيضاء، حيث شهد عام 1907 تحولاً جذرياً بتطوير ميناء المدينة على يد شركة شنايدر. وخلال عقدين من الزمن، استطاعت الدار البيضاء أن تستحوذ على ثلاثة أخماس إجمالي الإنتاج السمكي في المملكة، مع الحفاظ على خصوصية منطقة أكادير في مجال الصيد التقليدي.
ولم يقتصر التطور على قطاع الصيد فحسب، بل امتد ليشمل الصناعات المرتبطة به، كصناعة تعليب الأسماك وإنتاج الدقيق والزيوت ومعجون السمك. وقد وجدت هذه المنتجات طريقها إلى الأسواق العالمية، وخاصة فرنسا ومستعمراتها وبريطانيا العظمى.
وبعد الاستقلال، حرص المغرب على تطوير القطاع عبر إدخال التقنيات العلمية الحديثة لتحسين الإنتاجية. وفي القرن الحادي والعشرين، شهد القطاع تحولاً نوعياً مع تنامي دور تربية الأحياء المائية، التي أصبحت تشكل رافداً مهماً إلى جانب الصيد التقليدي.
ورغم هذا التوجه نحو التحديث، لم يغفل المغرب أهمية الحفاظ على التراث البحري التقليدي، حيث عمل على إعادة تأهيل قرى الصيادين في المناطق الجنوبية، محققاً بذلك توازناً فريداً بين متطلبات العصرنة والحفاظ على الموروث التقليدي. وبهذه الرؤية المتكاملة، استطاع المغرب أن يرسخ مكانته كقوة رائدة في قطاع صيد الأسماك، محلياً وإقليمياً ودولياً.
على الرغم من أن قطاع الصيد البحري في المغرب يشكل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، ويوفر فرص عمل لآلاف المغاربة، إلا أن ارتفاع أسعار الأسماك، لا سيما السردين، يطرح تساؤلات حول استدامة هذا القطاع الحيوي.
ففي الوقت الذي يساهم فيه الصيد البحري بنسبة 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن ارتفاع الأسعار يؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين.