في وقت لم تلتئم فيه بعد جراح مدينة فاس، عقب الفاجعة التي أودت بحياة 22 شخصا وخلفت 16 جريحا إثر انهيار مبنيين سكنيين بحي المستقبل قبل أيام، تفجّر جدل واسع حول أولويات المسؤولين المحليين، بعدما تزامن الحزن الجماعي مع إعلان إداري أثار استياء الساكنة وطرح أسئلة محرجة حول منطق التدبير في لحظات الأزمات الإنسانية.
فبينما كانت فرق الإنقاذ تواصل سباقها مع الزمن تحت الأنقاض، والأسر المكلومة تنتظر خبرا عن ناجٍ أو جثمان، اختتم المكتب المسير لجماعة فاس إجراءات صفقة تتعلق باقتناء هدايا وقطع فنية موجهة للوفود الأجنبية، بقيمة قاربت 49 ألفا و500 درهم، فازت بها شركة واحدة هي “ماك ووردينغ سيرفيس”، دون تسجيل أي منافسة تُذكر.
هذا التزامن الزمني بين المأساة الإنسانية وإعلان الصفقة أعاد إلى الواجهة الغياب اللافت لرئيس الجماعة الترابية لفاس خلال الساعات الأولى للانهيار، إذ لم يظهر في موقع الكارثة، ولم تسجل الساكنة حضورا ميدانيا لمسؤول منتخب وازن يواسي العائلات أو يواكب عمليات الإنقاذ، وهو ما عمّق الشعور بالخذلان لدى سكان الحي، خاصة وأن الحادث وُصف رسميا بالمأساوي، أمام حضور قوي لوالي الجهة خالد أيت الطالب، والمسؤولين الأمنيين الذين كانوا حاضرين منذ الساعات الأولى.
![]()
في المقابل، يظهر اسم رئيس الجماعة بشكل غير مباشر كجهة طالبة ومشرفة على صفقة الهدايا، التي امتدت مساطرها من نشر الإعلان في نونبر 2025 إلى انعقاد لجنة فتح الأظرفة في العاشر من دجنبر من السنة نفسها، ما فتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول ترتيب الأولويات في مرحلة كانت المدينة تعيش فيها على وقع القلق والخوف من تكرار المأساة.
عدد من المواطنين عبّروا لـ”بلبريس” عن غضبهم مما اعتبروه انفصالا بين هموم الساكنة اليومية وانشغالات المسؤولين. فبينما كان المواطنون ينتظرون حضورا معنويا يخفف عنهم هول الصدمة، وجدوا أنفسهم أمام أخبار تتعلق بصفقات الهدايا والتحف، وهو ما اعتُبر مؤشرا على اختلال في الإحساس بثقل المسؤولية في لحظات الألم الجماعي.
وتزداد حدة الانتقادات مع المعطيات المرتبطة بالصفقة نفسها، التي أُنجزت بعرض وحيد تم قبوله دون تحفظ، تحت مبرر كونه “الأكثر فائدة اقتصادياً”، في سياق غابت فيه المنافسة وتراجع فيه منسوب التتبع الإعلامي والرقابة الشعبية، لانشغال الرأي العام بتداعيات الكارثة الإنسانية.
الواقعة أعادت إلى الواجهة إشكاليات أعمق تتجاوز صفقة بعينها، وتتعلق بسلامة المباني، وغياب سياسات وقائية فعالة في الأحياء الهشة والقديمة، ومسؤولية الجماعة في التتبع والمراقبة والاستباق.
وفي هذا السياق، بدا الحديث عن صفقات ذات طابع ثانوي، مهما كانت قانونية من حيث الشكل، مستفزاً لمواطنين فقدوا أبناءهم أو منازلهم في لحظة واحدة.
وحسب مصادر محلية، فإن ساكنة فاس لا تطالب بهدايا للوفود ولا ببلاغات تقنية، بقدر ما تنتظر تحقيقا شفافا يحدد المسؤوليات في فاجعة الانهيار، وخطة استعجالية لإيواء المتضررين، وحضورا سياسيا وإنسانيا يوازي حجم الألم، فحين يغيب المسؤول في لحظة المأساة، ويحضر اسمه في محاضر الصفقات، تُبعث رسالة قاسية مفادها أن كرامة المواطن وحياته لا تتصدر سلم الأولويات.