رئيس مجلس المستشارين ولد الرشيد..قيادة هادئة بثقل استراتيجي

منذ انتخابه رئيسًا لمجلس المستشارين في أكتوبر 2024، برز اسم سيدي محمد ولد الرشيد كوجه برلماني جديد يقود مقاربة مختلفة في العمل الدبلوماسي للمؤسسة التشريعية. مقاربة لا تقوم على الصخب الإعلامي أو الخطابات المبالغة، بل على الهدوء الاستراتيجي والفعالية الواقعية في نسج العلاقات وتوسيع حضور المغرب داخل المنتديات البرلمانية الإقليمية والدولية.

من العيون إلى رئاسة مجلس المستشارين

ولد سيدي محمد ولد الرشيد بمدينة العيون سنة 1978، وتخرّج في جامعة محمد الخامس بالرباط حاملاً إجازة في القانون العام. انخرط مبكرًا في العمل السياسي داخل حزب الاستقلال، حيث راكم تجربة تنظيمية ميدانية جعلته من أبرز الوجوه الصاعدة في الأقاليم الجنوبية. انتُخب مستشارًا برلمانيًا عن جهة العيون الساقية الحمراء لثلاث ولايات متتالية، قبل أن يعتلي رئاسة مجلس المستشارين في لحظة سياسية اعتُبرت تجديدًا للدماء داخل المؤسسة التشريعية.

هدوء في الأسلوب… ووضوح في الأهداف

منذ توليه المنصب، حرص ولد الرشيد على ترسيخ رؤية جديدة لدور المجلس تقوم على تفعيل الدبلوماسية البرلمانية كامتداد للدبلوماسية الرسمية. فبدل الاكتفاء بدور تقليدي في التشريع والمراقبة، يسعى إلى جعل المجلس منصة للترافع عن القضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، من خلال الحوار والتواصل مع برلمانات العالم.

ورغم اختياره نهجًا هادئًا في الخطاب، إلا أن حضوره في اللقاءات الدولية كان لافتًا. فقد قاد وفودًا برلمانية إلى دول عربية وإفريقية وأوروبية، آخرها زيارته الرسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث ناقش سبل تعزيز التعاون البرلماني المشترك. هذا الأسلوب المتزن جعل عدداً من المراقبين يصفون دبلوماسيته بأنها “هادئة في الشكل، عميقة في المضمون”.

دبلوماسية تُبنى على الثقة لا على العناوين

يؤمن ولد الرشيد أن النجاح في العمل البرلماني الخارجي لا يقاس بعدد الصور أو البيانات، بل بمدى ترسيخ الثقة وبناء الجسور الدائمة بين البرلمانات. لذلك، اعتمد سياسة الانفتاح والحوار المتواصل مع المؤسسات المماثلة، مع التركيز على الملفات ذات البعد الاستراتيجي للمغرب، مثل التعاون جنوب-جنوب، والتنمية المستدامة، ودعم القضايا الإفريقية.

وفي الوقت ذاته، عمل على تحديث الأداء الداخلي للمجلس عبر تعزيز التحول الرقمي، وتأهيل الإدارة البرلمانية لتكون أكثر كفاءة في دعم المستشارين في مهامهم التشريعية والرقابية، مما يعكس فهمًا متوازنًا بين البعد الداخلي والدور الخارجي للمؤسسة.

امتداد لروح الجهوية والتنمية

ينطلق ولد الرشيد في رؤيته من تجربته الميدانية في الأقاليم الجنوبية، حيث يُدرك أهمية التنمية المحلية في تعزيز صورة المغرب الخارجية. لذلك، يسعى إلى أن تكون الدبلوماسية البرلمانية صوت الجهات والمجالس الترابية داخل المنتديات الدولية، بما يعكس نموذج الجهوية المتقدمة الذي تبناه المغرب منذ دستور 2011.

قيادة هادئة بثقل استراتيجي

ما يميز أسلوبه هو الجمع بين رصانة الخطاب وفعالية الأداء. فهو لا يلهث وراء الأضواء، بل يشتغل بصمت على تقوية موقع المغرب داخل المنظمات البرلمانية الدولية والإفريقية، في انسجام تام مع توجهات السياسة الخارجية للمملكة بقيادة الملك محمد السادس.

بهذه المقاربة الهادئة والمبنية على العمل الملموس، يرسم سيدي محمد ولد الرشيد ملامح جيل جديد من القيادات البرلمانية المغربية، التي تفهم أن الدبلوماسية ليست صخباً سياسياً بل تأثيراً هادئاً طويل المدى. فبين الالتزام الوطني والانفتاح الدولي، يبدو رئيس مجلس المستشارين عازمًا على تحويل الغرفة الثانية إلى منصة فاعلة تدعم إشعاع المغرب وتعزز حضوره بثقة ورصانة في مختلف المحافل العالمية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *