مدد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لكاتبه الأول، إدريس لشكر، لولاية جديدة، بعدما ظل على رأس الحزب لثلاث ولايات سابقة، قبل أن يقرر المؤتمر 12 للحزب أن يعدل القانون الداخلي للحزب ويعطي للكاتب الأول حق البقاء لولاية رابعة.
جدل “خلود الزعيم”
فقد صادق المؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المنعقد ببوزنيقة من 17 إلى 19 أكتوبر 2025، على ملتمس يتيح تمديد ولاية الكاتب الأول إدريس لشكر لولاية رابعة، بعد تعديل قانوني تم اعتماده بشكل رسمي خلال الجلسة العامة للمؤتمر، استنادا إلى المادة 217 من النظام الأساسي، التي تم تعديلها للسماح بالتمديد الاستثنائي للقيادات في حال اقتضت المصلحة العليا للحزب ذلك، على أن يُفعل الإجراء وفق الشروط المحددة في المادة 12 من القانون الداخلي.
وأثار هذا التمديد الكثير من الجدل في الصفوف الداخلية والخارجية للحزب، حيث رآى متابعون للشأن السياسي والحزبي بالمغرب بأن وضع حزب “الورد” يعكس ما تعيشه عدة أحزاب من إشكال “تخليد القادة”، والذي يعكس صورة قاتمة عن البنية التنظيمية للعمل الحزبي بشكل عام، وعن نوعية “المناضلين” داخل كل حزب على حدة، وما قد يفهم منه على أنه فقر في الكفاءات داخل هذه الاحزاب المخلدة لقادتها.
ورغم تبريرات الحزب، وما قاله الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، كون “انتخابه لولاية رابعة على رأس التنظيم السياسي لم يكن بطلب منه أو برغبة شخصية بل تنفيذا لأمرا صدر عن القواعد الحزبية، ولم تكن له رغبة في الترشح، ولم يقدم نفسه، بل إن الاتحاديين والاتحاديات من قدموا الطلب”، إلا ان ذلك لم يعفي الحزب من موجة انتقاد واسعة.
فبين من انتقد “خلود لشكر في كرسي الزعامة الحزبية، بمنطقة عدم إفساح المجال لوجوه الشابة وضخ دماء جديدة وتغيير العقليات التي يمكن أن تبث روحا ودينامية جديدتين في الحزب، ومن يرى أن بقاء لشكر على رأس الحزب مكسب سياسي ومن شأنه رابط جسور التواصل بين الأجيال وامتداد الخبرة التي راكمها الكاتب الأول”.
وبين هذا وذاك، يعيد بقاء القادة الحزبيين على كراسي المسؤولية الحزبية تساؤلات عن مدى إسهام هذا المشهد في إذكاء النفور والعزور عن المشاركة السياسية خاصة لدى شريحة واسعة من الشباب؟

من أسباب عزوف الشباب عن السياسة
في هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعيد، محمد العمراني بوخبزة، أن “هذا الموضوع ليس جديداً، فهو يتكرر دائماً عندما يتعلق الأمر بالشباب ومسألة “تَناوب النخب” وقدرة الأحزاب السياسية على ضمان استمرارية عملها بكفاءة عبر مختلف مؤسساتها، إذن، فالمسألة ستظل مطروحة طالما أننا لم نتخذ جميع الاحتياطات اللازمة لحماية العمل الحزبي والسياسي من الانحرافات والمزالق التي تؤثر، خصوصاً، على منسوب ثقة الشباب في العمل السياسي”.
من هذا المنطلق، يعتبر بوخبزة أن “ما حدث في المؤتمر الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي لا تخرج عن هذا السياق العام، إذ ان جزءاً من أسباب العزوف السياسي لدى الشباب من جهة، وجزءاً من دوافع احتجاجات “جيل زد من جهة أخرى، هي هذا النوع من الظواهر والممارسات التي تُصيب العمل الحزبي باختلالات ملحوظة”.
رسائل سلبية
ونبه بوخبزة إلى “أننا هنا لا نتحدث عن مجرد اختلالات وتمظهرات متجاوزة عابرة، بل عن تراجعات كنا نعتقد أننا تجاوزناها، في واقع الأمر، ورغم أن المغرب في طور الانتقال الديمقراطي ويعمل على ترسيخ هذا الخيار، إلا أن هذه الحوادث توحي بأن بعض الممارسات التي ظننا أننا قطعنا معها، لا تزال قادرة على العودة إلى الواجهة، لكنها تشكل رسائل سلبية مفادها أن العمل السياسي والحزبي في المغرب يعاني من اختلالات عميقة”.
وشدد على أنه “ليس عبثاً أن يدعو الدستور إلى ضرورة إعمال الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، وأن ينادي ملك البلاد بضرورة إعمال الديموقراطية الحزبية، وليس عبثاً أن نسمع العديد من الخبراء والمهتمين بالحياة السياسية المغربية يطالبون بالتخلي عن مثل هذه الممارسات والسلوكيات”.
وتساءل الخبير ذاته “كيف لنا أن نقنع الشباب بأن العمل الحزبي يسير في إطار مفهوم المواطنة، وأن العمل من داخل المؤسسات هو سبيل للإصلاح والتغيير والترقي؟”، ليجيب أنه “من الصعب في ظل وجود مثل هذه الممارسات، خاصة عندما تصدر عن حزب له تاريخ في المطالبة بديمقراطية المجتمع والنظام والحياة العامة، حزب عاش طويلاً يتغذى من هذا الشعار”.
وتابع أننا اليوم “أمام ظاهرة سيصعب معها حث الشباب على خوض غمار العمل الحزبي، بل قد تكون هذه الظاهرة إشارة إلى “نوعية” معينة من الشباب الذين يمكنهم قيادة العمل الحزبي، بمعنى أن الحزب قد يصبح فضاءً مقتصراً على الشباب الذين يؤمنون بالوصول إلى أهدافهم باستخدام الآليات والوسائل ذاتها السائدة حالياً داخل الأحزاب، ما يعني اننا سنعيد إنتاج الواقع القائم، مما قد يُكرِّس استمرار الإشكاليات الكبرى التي نعاني منها سياسياً”.
وخلص إلى أنه “في كل مرة يتم فيها تأجيل دور النخبة الحقيقية، وتأجيل العمل بالآليات الديمقراطية، وتأجيل تنفيذ مشروع الانتقال الديمقراطي، الذي يستمر لسنوات بل لعقود دون أن نرى أفقاً لتحقيق نظام ديمقراطي شامل بالمعنى الحقيقي، ما يؤدي لتعمق هذه الإشكاليات”.