تعيش العلاقات المغربية الروسية واحدة من أكثر لحظاتها زخماً منذ سنوات، بعد أن وقّع البلدان سلسلة اتفاقيات استراتيجية جديدة شملت قطاعات اقتصادية حيوية، أبرزها الصيد البحري والطاقة.
وتأتي الخطوة لتؤكد انتقال الشراكة بين الرباط وموسكو من الطابع الاقتصادي البحت إلى فضاء سياسي أوسع يحمل أبعادًا جيوستراتيجية متصلة بملفات إقليمية حساسة، من ضمنها قضية الصحراء ومنطقة الساحل.
وقد تزامن هذا التحول الدبلوماسي مع تولي روسيا رئاسة مجلس الأمن، ما منح التفاهم المغربي الروسي ثقلاً إضافيًا في لحظة تعيد فيها القوى الدولية ترتيب أوراقها داخل الهيئة الأممية.
غير أن هذا التقارب لم يمر دون صدى في الجزائر، التي اختارت الرد عبر استقبال السفير الأوكراني وبحث إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع كييف، في خطوة قرأها متتبعون كإشارة امتعاض من توجّه موسكو نحو الرباط واقتراب موقفها من الرؤية المغربية بخصوص الصحراء المغربية.
التحركات الجزائرية باتجاه أوكرانيا، التي تخوض منذ 2022 حربًا مفتوحة ضد روسيا، اعتُبرت أيضًا دلالة على ارتباك في هندسة التحالفات الإقليمية، وكسراً لنمط الاصطفاف التقليدي الذي جمع الجزائر بموسكو لعقود.
فبينما تراهن الرباط على براغماتيةٍ متوازنة تنفتح على مختلف القوى دون الارتهان لأي محور، تبدو الجزائر في موقع دفاعي تحاول من خلاله إعادة التموضع عبر رسائل متناقضة.
وفي بيان رسمي، أكدت السفارة الأوكرانية بالجزائر أن الطرفين بحثا سبل إنشاء مجلس أعمال مشترك وتوقيع اتفاق للتجارة الحرة، بما يسمح بتطوير المبادلات التجارية وتخفيف القيود الجمركية، معتبرة أن التعاون الاقتصادي يشكل مدخلاً لتقوية العلاقات الثنائية. لكن مراقبين يرون في هذا الحراك السياسي أكثر مما يعلن عنه، خاصة بالنظر إلى توقيته المتزامن مع تصاعد التنسيق بين الرباط وموسكو.
في المقابل، تسعى الدبلوماسية المغربية إلى تثبيت مصالح متبادلة قوية مع روسيا، معتبرة أن تقاطع المصالح في مجالات الطاقة والبحر والأمن يمكن أن يشكل أرضية جديدة للتفاهم داخل مجلس الأمن، خصوصاً مع اقتراب مناقشات ملف الصحراء نهاية أكتوبر.
وتراهن الرباط على أن موسكو، التي تبحث عن موطئ قدم مستقر في إفريقيا، ستدرك أن دعم الاستقرار في الصحراء المغربية يخدم مصالحها الاستراتيجية ويعزز حضورها الدولي كقوة توازن لا تصطف بشكل أعمى خلف أي طرف.