مع دخول الحكومة سنتها الأخيرة، بدأت عدة قطاعات وزارية في إعادة ترتيب علاقتها بمكاتب الدراسات التي استحوذت لسنوات على جزء كبير من الصفقات العمومية، وسط مؤشرات قوية على وجود اختلالات في تدبير المشاريع. وقالت مصادر حكومية إن هذا الحراك جاء استجابةً لتوجيهات رئاسة الحكومة، التي نبهت، في مذكرة رسمية، إلى “سيطرة أسماء محددة على المشاريع الكبرى، مقابل إقصاء غير مبرر لمكاتب أخرى”.
وأوضح مصدر مسؤول أن وزراء قطاعات الاقتصاد والبنية التحتية والبيئة طلبوا من كتابهم العامين إعداد تقارير مفصلة تتضمن لائحة مكاتب الدراسات الحائزة على المشاريع خلال السنوات الخمس الأخيرة، مع تحديد قيمتها المالية، ومدد إنجازها، وحجم التأخيرات أو الاختلالات المسجلة.
وأضاف مصدر مقرب من وزارة التجهيز أن الوزير نزار بركة كان من أوائل المتحركين، إذ أمر بمراجعة شاملة لملفات كبرى نالتها مكاتب اعتادت الظفر بالصفقات نفسها، قبل أن تظهر مؤشرات على ضعف جودة الدراسات المتعلقة بتهيئة الطرق والمنشآت الفنية. وتابع المصدر ذاته أن عدة تقارير تقنية رفعت إلى الوزارة، تضمنت ملاحظات دقيقة حول جودة الدراسات، أبرزها عدم احترام المعايير الضرورية لتقدير قدرة الطرق على تحمل الضغط، ما أدى إلى ظهور أعطاب سريعة في بعض المحاور بعد التساقطات الأخيرة.
وتشير معطيات حصلت عليها الجريدة من مسؤولين في قطاع البنيات التحتية إلى أن بعض مكاتب الدراسات “لم تقم بمهامها وفق المعايير التقنية المطلوبة”، وأن المقاولات المنفذة للصفقات “استغلت ثغرات في الدراسات لتقليل الجودة وتقليص التكلفة”، وهو ما اعتبره مصدر برلماني “هدراً واضحاً للمال العام يستوجب المحاسبة”.
ويرتقب، وفق مصادر عليمة، أن تتخذ الحكومة سلسلة إجراءات جديدة، من بينها توقيف التعامل مؤقتاً مع مكاتب تبين وجود شبهات حول طريقة عملها، وإحالة ملفات أخرى على مؤسسات الرقابة المالية وربما القضاء، إذا ثبت وجود غش أو اتفاقات غير قانونية بين بعض المديرين والمكاتب المعنية.
وبالتوازي مع ذلك، يعمل قطاع التجهيز، بشراكة مع الجماعات الترابية، على إطلاق برنامج وطني لإصلاح وصيانة الطرق القروية المتدهورة، رغم أن عدداً منها يدخل ضمن اختصاص الجماعات. وتهدف هذه الخطوة إلى “إنقاذ البنيات الأساسية” في مناطق عانت من تأخر واضح في الإصلاح.
من جهتهم، كشف نواب برلمانيون عن اختلالات مشابهة طالت مشاريع قناطر ومنشآت مائية ما تزال متوقفة، رغم الاعتمادات المالية الضخمة التي صرفت لها، مؤكدين أن “الخلل يبدأ من الدراسة وينتهي في التنفيذ”، في إشارة إلى غياب رقابة صارمة على مكاتب الدراسات والمقاولات التي عهد إليها الإنجاز.
وأكدت مصادر حكومية أن المرحلة المقبلة ستشهد “تشديداً غير مسبوق” على مكاتب الدراسات المخلة بالمعايير، مع اعتماد مساطر جديدة للرفع من جودة المشاريع وربط المسؤولية بالمحاسبة حماية للمال العام وضماناً لشفافية الصفقات.