في زمن الأزمات التربوية الخانقة، لم يعد الاكتظاظ داخل أقسام التعليم مشكلة حقيقية بقدر ما أصبح مصطلحًا محل جدل فلسفي عميق… على الأقل حسب رأي بعض المسؤولين التربويين. فبعد “الخرجة” الشهيرة لمديرة أكاديمية طنجة تطوان الحسيمة، التي وصفت تلميذًا واحدًا من “مدارس الريادة” بأنه يعادل مستوى 80 تلميذًا من مؤسسة عمومية غير مشمولة بالمشروع، جاء الدور على المدير الإقليمي للتعليم بأزيلال ليرفع سقف الغرابة ويضرب عصفور الواقع بمطرقة “التنظير”.
المدير، الذي حضر دورة أكتوبر لمجلس المدينة بطلب من الأعضاء لمناقشة أوضاع التعليم بالإقليم، فاجأ الحضور بتصريحات أدهشت الجميع. فعندما اشتكى المنتخبون من الاكتظاظ الخانق داخل الأقسام، لم يبدِ الرجل أي تأثر أو قلق، بل شرع في “تفكيك” المفهوم، وتحديد متى يمكن اعتبار القسم مكتظًا ومتى لا.
وبكل ثقة، صرّح المسؤول الإقليمي بأن “40 تلميذًا في القسم لا يُعتبر اكتظاظًا”، وأن من يُطلق هذه الاتهامات عليه أن “يضبط أموره” قبل الخوض في نقاش لا يُتقنه. وأضاف، أن الحجرات الدراسية بُنيت أصلاً لاستيعاب هذا العدد، وبالتالي، لا شيء يدعو للقلق أو الشكوى.
اللافت أن المدير نفسه اعترف في ذات الجلسة بأن بعض الأقسام تضم فعلًا 40 تلميذًا، لكنه اعتبرها حالات “قليلة”، مؤكدًا أن أغلب الأقسام لا تتجاوز 38 تلميذًا. تصريح غريب في ظل وجود مذكرة وزارية رسمية صادرة قبل أشهر، تحدد الحد الأقصى لعدد التلاميذ في 36 فقط، ما يجعل حديث المدير في تعارض واضح مع توجيهات وزارته.
المثير أكثر، أن هذا الإقليم، الذي يقع ضمن المناطق المعروفة بـ”الهشاشة التربوية”، يعيش على وقع أعطاب مزمنة: مدرسة واحدة لم يلتحق بها 64 تلميذًا هذا العام، وأطفال يقطعون يوميًا أكثر من 10 كيلومترات للوصول إلى مؤسسات تعليمية في غياب النقل المدرسي والمدارس الداخلية، وسط بنية تحتية وصفت محليًا بـ”الكارثية”.
ورغم كل هذا، فإن المدير يرى الوضع “وردياً”، ويطلب من المنتخبين “تحسين دقة مصطلحاتهم” قبل مساءلته، في مشهد يختلط فيه الإنكار بالثقة الزائدة، والواقع المر بالتنظير المثير.