بمناسبة اليوم العالمي للعمل اللائق، الذي يصادف السابع من أكتوبر من كل عام، أطلقت المنظمة الديمقراطية للشغل نداءً حاد النبرة كشفت من خلاله عن أرقام صادمة تعكس عمق الأزمة التي يعيشها سوق الشغل في المغرب، خصوصًا بين صفوف الشباب والنساء. وأكدت المنظمة أن معدل البطالة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة بلغ 35.8%، وهو رقم ينذر بمستقبل غامض لجيل بأكمله، بينما بلغ معدل البطالة في صفوف النساء الحاصلات على شهادات جامعية 33.3%، في وقت لا تتجاوز فيه نسبة مشاركة النساء في سوق العمل 19%، وهو ما يعكس فجوة صارخة في التمكين الاقتصادي للمرأة المغربية.
النداء لم يقتصر على عرض الأرقام، بل حمّل المسؤولية المباشرة للحكومات المتعاقبة، التي، بحسب المنظمة، فشلت في إرساء سياسات تشغيل فعالة وقادرة على خلق فرص شغل دائمة ولائقة. وسجّلت المنظمة أن معدل البطالة العام وصل إلى 13%، في حين بلغ 19% في صفوف حاملي الشهادات، ما يسلط الضوء على أزمة مزدوجة تعاني منها فئة الشباب: أزمة بطالة وهيكلة، وأزمة فقدان الثقة في البرامج الحكومية التي يُفترض أن تقدم حلولًا.
وفي قراءة لواقع الشغل الحالي، أوضحت المنظمة أن هشاشة التشغيل أصبحت السمة الغالبة، إذ إن غالبية الوظائف الجديدة مؤقتة أو غير مهيكلة، و73.2% من الشباب الأجراء يعملون دون عقود مكتوبة، ما يعني حرمانهم من أي حماية قانونية أو اجتماعية. كما أن 67% من الشباب النشيطين يعملون في القطاع غير المهيكل، في ظروف غالبًا ما تكون قاسية وتنعدم فيها شروط الكرامة. هذا الواقع المتأزم، في ظل تدني الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة، دفع بشريحة واسعة من الشباب، خصوصًا جيل “Z”، إلى التعبير السلمي عن مطالبهم في إطار حراك وطني متصاعد، هدفه إيصال رسالة واضحة لصناع القرار بضرورة التغيير العميق في السياسات الاجتماعية والاقتصادية.
المنظمة لم تُغفل الجانب المرتبط بالمقاولات، حيث نبهت إلى أن نحو 30 ألف مقاولة صغيرة ومتوسطة تفلس سنويًا بسبب الأعباء الضريبية وغياب التحفيزات، ما يؤدي إلى فقدان آلاف مناصب الشغل، ويضاعف من أزمة البطالة والهشاشة في السوق. كما انتقدت المنظمة بشدة برامج التشغيل مثل “فرصة” و”أوراش” و”انطلاقة”، معتبرة أنها لم تحقق الأهداف المرجوة منها رغم الميزانيات الضخمة التي رُصدت لها، بسبب غياب الفعالية والرقابة والشفافية في التدبير.
وتحت شعار هذه السنة “مواجهة انقلاب الأثرياء”، جددت المنظمة الديمقراطية للشغل دعوتها إلى الانخراط في نداء عالمي من أجل عقد اجتماعي جديد، يكون أكثر عدالة وشمولًا، ويرتكز على إصلاح ضريبي عادل، وتعزيز الحقوق الأساسية للعمال، وضمان الحماية الاجتماعية للجميع. كما شددت على أن الاستجابة الحقيقية لهذه الأزمة تبدأ من تمكين الشباب من أدوات المستقبل، مثل المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي، وتطوير منظومة التكوين المهني لتتطابق مع حاجيات السوق، إلى جانب ضرورة دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتسهيل إدماج القطاع غير المهيكل، وتفعيل مدونة الشغل، وتمكين جهاز تفتيش الشغل من القيام بدوره الكامل.
وفي ختام تشخيصها، دعت المنظمة إلى مواجهة حقيقية للفساد والهدر الذي ينخر برامج التشغيل، مؤكدة أن ضمان كرامة العامل المغربي يجب أن يكون أولوية وطنية لا تقبل التأجيل، وأن تحقيق العمل اللائق لا يمكن أن يتم في ظل استمرار السياسات الحالية التي تُقصي الفئات الهشة وتكرّس الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.