لم تقم اليوم دولة فلسطينية. لا أعلام جديدة، لا حدود جديدة، ولا آليات حكم. وهذا لن يحدث أيضا بعد أسبوع، بعد حدث الاعتراف الكبير في الأمم المتحدة، بقيادة مشتركة فرنسية-سعودية. ومع ذلك، فإن الاعتراف المنسق من بريطانيا وكندا وأستراليا بدولة فلسطينية هو زلزال سياسي. ثلاث ديمقراطيات غربية من المركز الثقيل للعالم الحر وجّهت إلى القدس إشارة واضحة: اللعبة تغيّرت، والساعة انتقلت من وضعية “تجميد” إلى وضعية “تشغيل”.
إنه تغيير بحجم مختلف تمامًا عن تصريحات سابقة لدول في أمريكا اللاتينية أو أفريقيا. لندن وأوتاوا وكانبيرا ليست “دول هامش” في الساحة، بل هي شريكات وثيقات لواشنطن، ودائمًا ما اعتُبرت حليفات لإسرائيل. مجرد اختيارهن القيام بالخطوة معًا، في يوم واحد، وفي مساء انعقاد الجمعية العامة في نيويورك، ليس مجرد رمزية، بل رسالة واضحة: حل الدولتين يجب أن يعود إلى مركز المسرح، حتى بثمن مواجهة مباشرة مع الحكومة في القدس، وحتى بثمن برودة معينة في العلاقات مع واشنطن.
هذه الاعترافات لا تُنشئ دولة بين ليلة وضحاها، لكنها تتراكم كعملة صعبة في الساحات الدولية. كل ديمقراطية غربية تنضم إلى الخطوة تضيف شرعية للمطلب الفلسطيني بدولة ذات سيادة، وهذا قد يشكل في المستقبل أساسًا لإجراءات قانونية وآراء استشارية وضغوط في المجالس والهيئات القضائية – وهي كثيرة. الفارق بين رمزية فارغة ورمزية ذات معنى يكمن في الاستخدام الذي يُصنع منها.
في الساحة الدبلوماسية، تدخل إسرائيل في مأزق. عندما يُمنح الاعتراف من ثلاث عواصم غربية في الأسبوع ذاته، وتتراجع بشكل ملحوظ قدرة إسرائيل على عرقلة خطوات إضافية في الأمم المتحدة أو في أوروبا. قد لا تنضم دول أخرى فورًا، لكن من الواضح أن الحصانة الدبلوماسية أمام الغرب التي تمتعت بها إسرائيل بدأت تتآكل. يصبح أصعب الادعاء بأن الوضع القائم مستقر أو قابل للاستمرار حينما تلوّح دول صديقة بأنها لم تعد هناك.
وعلى الصعيد العملي – لن يُفرض غدًا صباحًا حظر على السلاح، ولن تتوقف شراكات بحثية. لكن سيبدأ مسار من “التآكل الناعم”: معايير جديدة في المناقصات، قيود على التصدير الأمني، تحفظات في المؤسسات الأكاديمية. ليس الأمر خطوة دراماتيكية واحدة، بل تراكم خطوات صغيرة تخلق ضغطًا فعالًا ومتواصلًا.
أما واشنطن، في هذه المرحلة، فلا تنضم – ولا تعتزم الانضمام. هذا هو الامتياز المركزي للقدس – المظلّة الأميركية لا تزال قائمة. لكنه أيضًا مصدر خطر: إسرائيل قد تُصوَّر كمن تختبئ خلفها فيما يتحرك الغرب إلى الأمام. العزلة الدولية تصبح أكثر واقعية، والقدرة على التأثير في السرد تتضاءل.
وفي الساحة الداخلية؟ التوقعات مألوفة هنا: “اعتراف بالإرهاب”، “جائزة لحماس”. إنها بلاغة تقوي الائتلاف في الداخل أمام القاعدة الغاضبة، لكن العالم يرى أنها عبارات منفصلة عن الواقع. عندما تصوغ بريطانيا خطوتها على أنها إنقاذ لفكرة حل الدولتين وليس كمكافأة على الإرهاب، فالإطار الإطار الإسرائيلي يفقد صدقيته، أو – على الأقل – ويبدو أقل إقناعًا للأذن الغربية. المعركة الإدراكية – لا تقل عن المعركة السياسية – تُدار في ملعب حيث تملك إسرائيل عددًا أقل من اللاعبين الداعمين.
الفرصة الوحيدة أمام إسرائيل لوقف هذه الديناميكية هي عبر طرح أفق. ليس دولة فلسطينية غدًا صباحًا، بل خطوات محسوبة: إعادة بناء آليات مدنية، خطوات اقتصادية، تعزيز التنسيق الأمني، أفق لغزة، وإن خطة انتقالية تُظهر للعالم أن هناك مسارًا، ولو محدودًا، قد تساعد في امتصاص بعض الضغط. أما في غياب مثل هذه الخطوة، فلن يبقى موج الاعترافات حدثًا عابرًا – بل سيتحول إلى اتجاه مستمر.
هذا المساء، وبصورة أوضح مع اقتراب حدث الاعتراف عشية رأس السنة، تجد إسرائيل نفسها مجددًا في قلب عاصفة سياسية. الاعتراف البريطاني-الكندي-الأسترالي لا يغير الواقع على الأرض، لكنه يغير الواقع حول الأرض. إنه يجعل الوضع القائم غير قابل للتحمل في نظر مزيد من الشركاء في الغرب. وهذه هي الخلاصة المقلقة لإسرائيل: لم يعد الأمر جدلًا مع رام الله وحدها، بل مواجهة مع فكرة – لا يمكن أن يتفوق عليها سوى حل سياسي واضح.
أنا برسكي
معاريف 23/9/2025