الحق في المعلومة بالمغرب.. قانون حاضر وممارسة غائبة

ست سنوات مرّت منذ دخول القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات حيّز التنفيذ في المغرب، لكنّ الواقع يكشف أن هذا الحق لا يزال بعيدًا عن أن يصبح ممارسة فعليّة، لا من قبل المواطنين، ولا من قبل المؤسسات الملزمة بتفعيله. هذه هي الخلاصة الصادمة التي كشف عنها منشور جديد مشترك بين جمعية سمسم – مشاركة مواطنة وجمعية رواد التغيير، بدعم من الاتحاد الأوروبي، أعده الباحث إسماعيل السوق، ونسقته بسمة أوسعيد.

تشخيص قانوني ومجتمعي: الإطار وحده لا يكفي

المنشور الصادر تحت عنوان: “من التنصيص الدستوري إلى التفعيل العملي: الحق في الحصول على المعلومات في المغرب وواقع الوعي المجتمعي”، يقرّ بأن التأطير القانوني وحده لا يكفي لضمان ممارسة حقيقية وفعالة لهذا الحق الدستوري، الذي نُص عليه صراحة في الفصل 27 من دستور 2011. فبالرغم من وجود النصوص القانونية، فإن التفعيل العملي لا يزال يشكو من أعطاب هيكلية على مستويات متعددة: قانونية، مؤسساتية، ومجتمعية.

وعي محدود.. وغياب للتقارير الرسمية

من بين الإشكالات الرئيسية التي يبرزها التقرير، استمرار ضعف الوعي المجتمعي، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، بمضامين هذا الحق وآليات ممارسته. كما أن غياب تقارير رسمية منشورة وشاملة توثق جهود الدولة في هذا المجال، يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى التزام المؤسسات المعنية، وخاصة لجنة الحق في الحصول على المعلومات، التي لم تنشر تقاريرها السنوية رغم أن المادة 22 من القانون تلزمها بذلك.

أرقام مخيبة رغم البوابة الرقمية

ورغم إطلاق البوابة الوطنية للحق في الحصول على المعلومات سنة 2020، إلا أن الأرقام تشير إلى تواضع الإقبال وضعف الفعالية: فقط 22.089 طلبًا تم تقديمه خلال خمس سنوات، لم يُعالَج منها سوى 12.284 طلبًا، أي بنسبة تجاوب لا تتعدى 56%. هذا الرقم يعكس فجوة كبيرة بين إمكانيات الإطار القانوني والمؤسساتي وبين الواقع العملي والتفاعل المجتمعي مع هذا الحق.

التحديات: من تعقيد المساطر إلى غياب النشر الاستباقي

التقرير يبرز أيضًا عدة معيقات أخرى تُعطّل تفعيل هذا الحق، مثل:

  • محدودية الوعي الجماعي بأهمية المعلومات كأداة للرقابة والمساءلة؛

  • ضعف النشر الاستباقي من طرف الإدارات والمؤسسات العمومية؛

  • تعقيد الإجراءات والمساطر الإدارية؛

  • تفاوت تجاوب المؤسسات مع الطلبات المقدمة.

كل هذه العوامل تجعل من ممارسة هذا الحق تحديًا مركّبًا يتجاوز مجرد توفر نص قانوني.

دعوة إلى إرادة سياسية حقيقية

المنشور لا يكتفي بالتشخيص، بل يوجه دعوة صريحة إلى ضرورة توفير إرادة سياسية واضحة، وإجراء إصلاحات تشريعية تعالج الثغرات القائمة، مع التركيز على:

  • استثمار أكبر في التكوين والتوعية؛

  • تبسيط المساطر؛

  • تعزيز النشر الاستباقي؛

  • إرساء شراكات فعالة بين الدولة، المجتمع المدني، ووسائل الإعلام.

الغاية من كل ذلك: جعل الحق في الحصول على المعلومات ممارسة مؤسساتية ومجتمعية راسخة، لا مجرد التزام قانوني شكلي.

المجتمع المدني.. محرك التغيير منذ البداية

المنشور يوثّق الدور الريادي الذي لعبته منظمات المجتمع المدني، منذ ما قبل صدور القانون، في التوعية بأهمية هذا الحق والترافع من أجل دسترته واعتماد إطار قانوني ينظّمه. من بين الفاعلين الأساسيين، يبرز دور “ترانسبرانسي المغرب”، التي ربطت بين هذا الحق ومحاربة الفساد وتعزيز الشفافية.

هذه الجمعية كانت سبّاقة إلى إطلاق مرصد الفساد وتطوير الشفافية سنة 2007، وتنظيم ورشات عمل مغاربية منذ سنة 2008 حول هذا الموضوع. كما قادت حملات ترافعية أثمرت عن إطلاق الشبكة المغربية من أجل الحق في الحصول على المعلومات سنة 2012.

القانون.. مسار بطيء من المقترح إلى الإقرار

أما على مستوى المسار التشريعي، فيُشير التقرير إلى أن أول مقترح قانون حول هذا الحق تقدم به الفريق الاشتراكي خلال الولاية التشريعية 2002-2007، لكنه ظل في الأدراج حتى أعيد تقديمه سنة 2012، ليتعزز بمقترح ثان من الفريق الحركي سنة 2013، في ظل سياق دستوري جديد فرضته وثيقة 2011.

 حق معطَّل في دولة تتطلع للشفافية

رغم أن المغرب يُعد من بين الدول القليلة في المنطقة التي دسترت هذا الحق، واعتمدت له قانونًا وبوابة رقمية، إلا أن التجربة حتى الآن تُظهر أن الانتقال من النص إلى الفعل لا يزال يتعثر. فبدون تعبئة حقيقية، والتزام مؤسساتي، وشراكة فعالة مع المجتمع المدني والإعلام، سيبقى الحق في الحصول على المعلومات مجرّد شعار، لا أداة فعّالة لترسيخ الشفافية وتعزيز المواطنة والمساءلة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *