شكلت الخرجة الإعلامية لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مادة دسمة للتأويل وللتحليل السياسي خلال الأيام الماضية، وسط حالة من الفضول والتساؤل لدى الرأي العام حول ما وراء الكلمات الرسمية، وما إذا كانت هذه التصريحات مجرد سرد للحصيلة الحكومية أم إشارات سياسية مبطنة قبيل الاستحقاقات القادمة.
وقد جاءت خرجة أخنوش الإعلامية الأخيرة في توقيت حساس، مع اقتراب الانتخابات التشريعية لسنة 2026، لتثير جدلاً واسعاً بين المراقبين، بين من رأى فيها تأكيداً على تماسك الأغلبية واستمرارية العمل الحكومي، ومن رأى فيها رسائل سياسية مبطنة تُخاطب قواعد حزبه وتعيد رسم صورة القوة والاستقرار أمام الرأي العام.
التأويلات السياسية وخلفيات الخروج الإعلامي
تركزت بعض التأويلات على حديث رئيس الحكومة حول “تمييز الأجندة الحكومية عن الأجندة الحزبية”، حيث فسّره محللون على أنه محاولة للقول إن العمل الحكومي الرسمي يسير بانتظام والتزام، بينما المجال الحزبي يتيح حرية أكبر في التواصل مع المواطنين والمناضلين، وهو بذلك يضع حدوداً واضحة بين ما هو رسمي وما هو حزبي.
كما ركزت بعض التحليلات على تأكيده على “عدم هدر الزمن الحكومي” والاشتغال إلى آخر لحظة من عمر الولاية، معتبرين أن هذا التصريح يحمل رسائل مزدوجة: الأولى رسمية، تؤكد الالتزام بمسؤوليات الحكومة تجاه المواطنين، والثانية سياسية، تستبق فيها الانتخابات وتوضح موقفه من أي انتقادات محتملة حول أداء الحكومة في المرحلة المقبلة.
الإشادة التي أدلى بها أخنوش بشأن إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات، بدلاً من الحكومة، أثارت اهتمام المحللين السياسيين، حيث اعتُبرت خطوة استراتيجية لتقوية الثقة في المؤسسات، ولتجنب اتهام الحكومة بالتدخل في العملية الانتخابية، مع إبراز شفافية المسار الانتخابي أمام الرأي العام.
حصيلة الحكومة بين الإنجاز والتحديات
على الرغم من طول الخرجة الإعلامية، بدا أن التحليل العميق لم يقترب من تفاصيل الإنجازات الحكومية على الأرض. فقد ركز الخطاب على إنجازات عامة وأرقام إجمالية، مثل الموارد المالية للدولة التي انتقلت من 229 مليار درهم سنة 2020 إلى ما يُرتقب أن تصل إلى 427 مليار درهم، دون تقديم قراءة نقدية دقيقة لتأثير هذه الموارد على حياة المواطنين اليومية.
ومع ذلك، أبرز رئيس الحكومة بعض مكاسب المرحلة الماضية، مثل انخفاض أسعار زيت الزيتون، وإحداث 200 ألف منصب شغل إضافي، ودعم حوالي 3.2 مليون تلميذ خلال الدخول المدرسي الحالي، وهو ما يُظهر قدرة الحكومة على التدخل الاجتماعي والاقتصادي السريع في قطاعات حيوية.
كما لم يغفل أخنوش الحديث عن تحديات المياه، مشيراً إلى أن حكومته وجدت البلاد على حافة العطش، وأن مشاريع تحلية المياه في الدار البيضاء وعدة مدن أخرى ستساهم في حل الأزمة، وهو ما يُظهر الاهتمام بمعالجة القضايا الاستراتيجية الكبرى التي تمس المواطنين بشكل مباشر.
زوايا مثيرة للتأويل
برزت خلال الخرجة الإعلامية عدة نقاط يمكن أن تحمل أكثر من تفسير، أبرزها:
التركيز على تماسك الأغلبية: قد يكون استعراضاً لقوة الحكومة وسط محاولات المعارضة التشكيك في هذا التماسك.
تأكيد الالتزام بالأوراش الكبرى: يعكس رغبة في إظهار جدية الحكومة واستكمال المشاريع الاجتماعية والتنموية قبل الانتخابات.
الإشادة بإشراف الداخلية على الانتخابات: تفسيره يمكن أن يكون رسالة ضمنية إلى أن الحكومة تحترم استقلالية المؤسسات، وأن أي نقد سياسي حول الانتخابات لا يستهدفها مباشرة.
الحديث عن الزلزال ودعم المتضررين: يأتي لإظهار قدرة الحكومة على إدارة الأزمات وإظهار الوجه الإنساني للسياسة التنفيذية، وهو عنصر مهم لتقوية الصورة العامة للقيادة الحكومية.
القليل من التحليل العميق
رغم كثافة الحديث عن الإنجازات، بدا التحليل النقدي الفعلي محدوداً، إذ ركز الخطاب على أرقام ومؤشرات عامة دون استعراض تقييم فعلي للأثر المباشر على المواطنين أو معالجة نقاط الخلل، مثل التأخر في إنجاز بعض المشاريع، والاختلالات المجالية في الخدمات، أو الانتقادات الموجهة لملفات الفلاحة والماء قبل وصول الحكومة الحالية.
من جهة أخرى، يبدو أن خرجة أخنوش تضمنت رسائل مزدوجة: رسمية لإظهار العمل الجاد، وسياسية لتعزيز موقعه وحزبه قبيل الدخول السياسي الجديد. وهذا التوازن بين خطاب الإنجاز والتحليل المحدود يعطي الانطباع بأن الخطاب صُمم ليكون آمناً إعلامياً وسياسياً في آن واحد، بعيداً عن أي مواجهة مباشرة مع المعارضة أو استباق أي انتقادات محتملة.
خرجة أخنوش بين المثير من التأويل وقليل من التحليل، فهي غنية بالتصريحات الرسمية التي ركزت على الإنجازات والاستقرار الحكومي، لكنها لم تقدم قراءة نقدية حقيقية للمسارات الحكومية أو تقييم آثار السياسات على المواطنين. وبينما استحوذت بعض الرسائل على اهتمام الإعلام والمتابعين، يبقى السؤال مطروحاً حول مدى قدرة هذه الخرجات الإعلامية على تقديم صورة واضحة وشاملة للرأي العام، أم أنها ستظل مجرد عملية تسويقية سياسية مدروسة، تعكس مهارة الخطاب الإعلامي أكثر من مضمون العمل الحكومي الفعلي.
 
 





