تستعد العاصمة الاقتصادية للمملكة لاحتضان حدث استثنائي قد يرسم ملامح جديدة لمستقبل الطاقة في القارة الإفريقية، حيث ستشهد الثلاثين من شتنبر الجاري انطلاق أولى فعاليات “يوم الابتكار” التي تنظمها عملاقة التكنولوجيا الفرنسية شنايدر إلكتريك.
هذا الموعد المنتظر ليس مجرد فعالية عادية، بل رهان حقيقي على قدرة المغرب في قيادة التحول الطاقي على مستوى القارة السمراء. فللمرة الأولى تختار شنايدر إلكتريك، التي دأبت على تنظيم هذا الحدث في أبرز عواصم العالم، أن تحط الرحال في مدينة مغربية، مما يعكس المكانة الخاصة التي باتت تحتلها المملكة في خارطة الاستثمار التكنولوجي الأخضر.
اللافت أن وزارة الانتقال الطاقي تراهن بقوة على هذا اللقاء ليكون منصة حقيقية لتجميع أبرز صناع القرار من القطاعات الحيوية، في محاولة جادة لبلورة رؤية موحدة حول بناء اقتصاد أفريقي صديق للبيئة.
ما يميز هذه المبادرة عن غيرها من المؤتمرات التقليدية هو توقيتها الحساس، فالقارة الإفريقية تقف اليوم أمام نافذة ذهبية لا تتكرر كثيرا في التاريخ. فبينما تتسارع وتيرة التحول العالمي نحو الطاقات المتجددة، تملك إفريقيا موارد طبيعية هائلة تؤهلها لتصبح قوة عظمى في هذا المجال، شريطة توفر الإرادة السياسية والاستثمار التقني المناسب.
من زاوية أخرى، يحمل اختيار الدار البيضاء دلالات عميقة تتجاوز البعد الجغرافي المحض. فالمدينة التي تنبض بالحيوية الاقتصادية منذ عقود، تتطلع اليوم إلى ترسيخ مكانتها كبوابة للتكنولوجيا المتقدمة في المنطقة، خاصة في ظل الاستثمارات الضخمة التي تضخها الحكومة المغربية في مجال الطاقات البديلة.
الطموح المعلن واضح وجريء: تحويل المغرب إلى مركز إشعاع تقني يخدم القارة بأكملها. هذا الهدف الذي قد يبدو مثاليا للوهلة الأولى، يكتسب مصداقية أكبر عندما ننظر إلى الإنجازات الملموسة التي حققتها المملكة في السنوات الأخيرة، من مشروع نور ورزازات العملاق إلى استراتيجية الهيدروجين الأخضر الطموحة.
غير أن التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على ترجمة هذه التطلعات إلى واقع ملموس يستفيد منه المواطن العادي. فالانتقال الطاقي، مهما كان مبهرا من الناحية التقنية، يبقى مجرد شعارات إذا لم ينعكس على تحسين ظروف المعيشة وخلق فرص عمل جديدة للشباب الإفريقي.
في هذا السياق، تأتي مبادرة شنايدر إلكتريك كفرصة ثمينة لاختبار جدية الالتزامات المعلنة وقياس مدى استعداد الفاعلين المحليين للانخراط الفعلي في هذا التحول الجذري. فالأمر لا يتعلق فقط بجلب التكنولوجيا المتطورة، بل بإيجاد النماذج الاقتصادية المبتكرة التي تضمن استدامة هذه الاستثمارات على المدى الطويل.