كشفت المندوبية السامية للتخطيط، استنادًا إلى نتائج بحوث الظرفية الاقتصادية التي أنجزتها لدى المقاولات، عن ملامح المشهد الاقتصادي الوطني خلال الفصل الثالث من سنة 2025، والذي يتسم بمزيج من الاستقرار الحذر والتفاؤل الحذر، خاصة في قطاعي الخدمات التجارية غير المالية وتجارة الجملة، مع تفاوت في مستويات النمو والطلب حسب كل نشاط.
تجارة الجملة… استقرار يواكبه أمل في الانتعاش
وفق ما ورد في المذكرة الرسمية الصادرة يوم الخميس، يبدو أن مناخ قطاع تجارة الجملة يتجه نحو الاستقرار، حيث ينتظر 72% من التجار استقرارًا في حجم المبيعات، بينما يتوقع 20% تسجيل ارتفاع. ويستند هذا التفاؤل الجزئي إلى انتعاش منتظر في بعض الفروع الحيوية، مثل تجارة لوازم الاستعمال المنزلي، والمعدات الإعلامية والاتصالات، بالإضافة إلى بعض الأصناف المتخصصة.
وعلى مستوى الطلب، ترجّح التوقعات استقراره بنسبة 78% من المهنيين، فيما يُرتقب أيضًا أن يظل عدد المشتغلين على حاله لدى 80% من المقاولات. هذا الاستقرار لا يخفي وجود تحولات طفيفة تعكس نوعًا من الحذر والترقب المشوب بالأمل.
الخدمات التجارية غير المالية… مؤشرات متباينة ولكن إيجابية
أما في قطاع الخدمات التجارية غير المالية، فتُظهر التوقعات بعض الحيوية، إذ يتوقع 41% من أرباب المقاولات تسجيل ارتفاع في النشاط الإجمالي، مقابل 37% ينتظرون استقراره. ويُعزى هذا التفاؤل بالأساس إلى الأنشطة المرتبطة بالنقل الجوي والبري، والنقل عبر الأنابيب، والتخزين، والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى أنشطة التأجير والاستئجار.
غير أن الصورة لا تخلو من مناطق ظل؛ إذ تشير التوقعات إلى استمرار التراجع في أنشطة الإيواء والمطاعم، بالإضافة إلى خدمات البريد، ما يعكس استمرار الضغط على بعض القطاعات المرتبطة بالطلب الاستهلاكي والخدمات الحضَرية.
من جهة أخرى، يُتوقع أن يعرف الطلب ارتفاعًا لدى 38% من المقاولات، مقابل استقرار لدى 47% منها، بينما تتوقع نسبة 26% من الفاعلين الاقتصاديين زيادة في فرص العمل، في دلالة على انتعاش نسبي في سوق الشغل داخل هذا القطاع.
الفصل الثاني… مؤشرات النمو تؤسس للتفاؤل
وعند العودة إلى أداء الفصل الثاني من السنة الجارية، تشير بيانات المندوبية إلى أن قطاع الخدمات التجارية غير المالية شهد انتعاشًا ملحوظًا، حيث أكد 64% من أرباب المقاولات تسجيل ارتفاع في النشاط، مقابل 15% أشاروا إلى انخفاضه. ويُعزى هذا التطور الإيجابي إلى التحسن المسجل في خدمات الاتصالات، والنقل الجوي والبري، والتخزين، والخدمات اللوجستية المصاحبة للنقل.
في المقابل، سُجل تراجع في بعض الأنشطة مثل الإشهار، ودراسات السوق، والعقار، والنقل عبر المياه، ما يُظهر وجود تباين واضح في دينامية القطاعات الفرعية. وتُقدر نسبة استغلال القدرة الإنتاجية في هذا القطاع بـ77%، وهي نسبة تعكس أداءً مقبولًا مقارنة بالسياق الاقتصادي العام.
وبخصوص دفاتر الطلب، فقد وُصفت بالعادية لدى 69% من المقاولات، بينما رآها 24% أقل من العادي. أما على مستوى التشغيل، فقد أفادت 32% من المقاولات بحدوث ارتفاع في عدد المشتغلين خلال هذا الفصل.
تجارة الجملة خلال الفصل الثاني… نمو نسبي واستقرار هيكلي
فيما يخص قطاع تجارة الجملة خلال الفصل الثاني، فقد عرفت المبيعات في السوق الداخلي ارتفاعًا لدى 27% من المقاولات، مقابل استقرار لدى 63% منها. ويُعزى هذا الأداء الإيجابي إلى نمو مبيعات “تجارة تجهيزات صناعية أخرى” و”تجارة الجملة المتخصصة”، بينما تأثرت المبيعات سلبًا في فروع مثل “تجارة تجهيزات الإعلام والاتصال”، و”تجارة المواد الفلاحية الأولية والحيوانات الحية”.
أما من حيث التوظيف، فقد أشار 92% من أرباب المقاولات إلى استقرار عدد المشتغلين، في حين اعتُبر مستوى المخزون من السلع عادياً لدى 83% من التجار. وعلى صعيد الأسعار، فقد شهدت استقرارًا لدى 65% من المقاولات، بينما رصد 31% انخفاضًا فيها.
ثقة حذرة وانتظار للانفراج
المعطيات التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط تعكس مشهدًا اقتصادياً دقيقًا، يسوده نوع من الثقة الحذرة، حيث يراهن الفاعلون الاقتصاديون على استقرار نسبي في الأداء العام، مع ظهور بوادر انتعاش في بعض الأنشطة المحورية. ورغم استمرار الضغوط في قطاعات حساسة كالإيواء والمطاعم والعقار، فإن قطاعات أخرى مثل النقل والتخزين والتجارة المتخصصة، تُبقي على شعلة الأمل في تحسن تدريجي خلال ما تبقى من سنة 2025.