أقرت المحكمة الدستورية في قرار حديث لها بمشروعية انسحاب البرلمانيين من أشغال اللجان الدائمة والجلسات العامة للبرلمان، معتبرة هذا السلوك وسيلة من وسائل التعبير السياسي المسموح بها دستورياً، شريطة أن يكون الانسحاب مؤقتاً ومبرراً، وألا يؤدي إلى تعطيل السير العادي للعمل البرلماني.
وأكدت المحكمة، في معرض تعليلها، أن الدستور لا يمنع صراحة لجوء البرلمانيين إلى الانسحاب كوسيلة احتجاجية، بل ترى فيه شكلاً من أشكال التعددية التي تعكس غنى النقاش داخل المؤسسة التشريعية. غير أنها شددت في المقابل على ضرورة أن يظل هذا السلوك خاضعاً لضوابط تحصن وظيفة البرلمان من أي عبث أو استغلال سياسي يفضي إلى شلّ نشاط المؤسسة.
وحذّرت المحكمة من مغبة تحويل الانسحاب إلى بديل دائم عن المشاركة الفعلية، مبرزة أن المسؤولية الدستورية لأعضاء البرلمان لا تقتصر على الحضور الجسدي، بل تشمل الإسهام الفعلي في النقاش، وتقديم التعديلات والاقتراحات، بما يعزز مصداقية العمل التشريعي. وذكّرت في هذا السياق بأن الالتزام الفعلي يظل من ركائز التمثيل النيابي، وفقاً للمبادئ الدستورية المنظمة للمؤسسة البرلمانية.
وقد جاء هذا التصريح ضمن قرار صدر عقب فحص المحكمة للتعديلات المدرجة على مواد من النظام الداخلي لمجلس النواب، والتي تضمنت مقتضيات تؤطر سلوك الانسحاب. واعتبرت المحكمة أن هذه التعديلات لا تنطوي على أي تجاوز أو مساس بحقوق النواب، حتى في غياب جزاءات تأديبية مرتبطة بالانسحاب، مؤكدة أن النظام الداخلي يملك صلاحية تنظيم هذا السلوك وفق ما يسمح به الدستور.
وفي توضيحها لطبيعة التعديلات، لفتت المحكمة إلى أن التنصيص على آلية الانسحاب لا يقتصر على مكونات المعارضة، بل يشمل كافة أعضاء مجلس النواب، في انسجام تام مع منطق التعددية السياسية والتمثيلية.