قالوا ….عن قرار المحكمة الدستورية بشأن قانون المسطرة المدنية

أكدت المحكمة الدستورية عدم دستورية مجموعة من مقتضيات مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، الذي تمت المصادقة عليه في يونيو المنصرم في إطار القراءة الثانية، ولا سيما المادة 17 التي أثارت جدلاً لكونها تمنح النيابة العامة الحق في الطعن في الأحكام القضائية النهائية.

وقالت المحكمة الدستورية إن “الفقرة الأولى من هذه المادة تنص على أنه يمكن للنيابة العامة المختصة، وإن لم تكن طرفاً في الدعوى، ودون التقيد بآجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة، أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام، داخل أجل خمس سنوات من تاريخ صيرورة المقرر القضائي حائزاً لقوة الشيء المقضي به”.

وعاد القضاء الدستوري إلى وثيقة 2011، التي تنص في الفقرة الأولى من الفصل السادس، بصفة خاصة، على أن “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة”، وفي الفصل 117 على أنه “يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات… وأمنهم القضائي”. كما أن “الفقرة الأولى من الفصل 126 تنص على أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع”.

وتابع القرار“يُستفاد من أحكام فصول الدستور المستدل بها في ترابطها وتكاملها، وعلاقة بالنص المعروض، أنه لا يسوغ، في ظل الدستور، أن يتم التصريح ببطلان المقرر القضائي الحائز لقوة الشيء المقضي به إلا من قبل السلطة القضائية المستقلة، التي يمارسها القضاة المزاولون فعلياً مهامهم القضائية بمحاكم التنظيم القضائي، طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة الثانية من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية”.

وقالت الهيئة التي تبت في مدى مطابقة النصوص للدستور إنه “وإن كان القانون قد أسند إلى النيابة العامة المختصة، وهي التي تناط بها حماية النظام العام والعمل على صيانته، طلب التصريح ببطلان المقرر القضائي المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة 17 المعروضة، ما لا يشكل في حد ذاته مخالفة للدستور، فإن الدستور نفسه كفل بمقتضى مبدأ الأمن القضائي للمحكوم لصالحهم الحق في تمسكهم بحجية المقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، وإنفاذ آثارها”.

وزاد القرار: “وإن كانت حماية المشرع للنظام العام في مجال التنظيم الإجرائي للدعاوى المدنية تشكل في حد ذاتها هدفاً مشروعاً لا يخالف الدستور، فإنه يتعين على المشرع عند مباشرة ذلك استنفاد كامل صلاحيته في التشريع، والموازنة بين الحقوق والمبادئ والأهداف المقررة بموجب أحكام الدستور أو المستفادة منها على النحو الذي سبق بيانه”.

كما اعتبرت المحكمة الدستورية أن الأمر “يتجاوز نطاق الاستثناء على حجية المقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به ويمس بمبدأ الأمن القضائي، فيكون المشرع بذلك قد أغفل تحديد ما أسنده له الدستور في مجال التنظيم الإجرائي للدعاوى الخاضعة للمسطرة المدنية، ضمن النطاق الموضوعي للبند التاسع من الفقرة الأولى من الفصل 71 من الدستور”.

وبشأن المادة 87، فإن الفقرة الرابعة منها تنص على أنه “يجوز للمكلف بالتبليغ، عند عدم العثور على الشخص المطلوب تبليغه في موطنه الحقيقي أو المختار أو محل إقامته، أن يسلم الاستدعاء إلى من يثبت أنه وكيله أو يعمل لفائدته أو يصرح بذلك، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار، ممن يدل ظاهرهم على أنهم بلغوا سن السادسة عشرة، على أن لا تكون مصلحة المعني في التبليغ متعارضة مع مصلحتهم”.

واعتبرت الجهة الدستورية عينها أن “إنفاذ حقوق الدفاع المضمونة أمام جميع المحاكم، بموجب أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 120 من الدستور، وتحديد المراكز القانونية للأطراف في الدعاوى الخاضعة للمسطرة المدنية، يتوقف في إحدى صوره على التنظيم الإجرائي للتبليغ ضمن النطاق الموضوعي للمسطرة المدنية، وفق مقتضيات لا لبس فيها ولا إبهام، وليس من شأنها أن تمس بمبدأ الأمن القانوني، الذي يحق للمخاطبين بالقاعدة القانونية الملزمين بالامتثال لها توقعه من المشرع، وفق المستفاد من الفقرة الأولى من الفصل السادس من الدستور”.

وتابع القضاء الدستوري: “إن الفقرة الرابعة من المادة 84 المعروضة أقرت صحة تسليم الاستدعاء بمجرد تصريح شخص بأنه وكيل المطلوب تبليغه أو بأنه يعمل لفائدته، أو بمجرد تقدير المكلف بالتبليغ لظاهر بلوغ الساكنين مع المطلوب تبليغه سن السادسة عشرة، وأناطت بالمكلف بالتبليغ حال إجرائه تقدير عدم تعارض مصلحة المعني في التبليغ مع مصلحة الساكنين معه”.

وشددت المحكمة على أن “الصيغة المعروضة، فضلاً عن تسويغها صحة تسليم الاستدعاء بناءً على الشك والتخمين، لا على الجزم واليقين، ألقت على المكلف بالتبليغ، الذي يعد مخاطباً بالقاعدة القانونية، عبء التصرف في حالات لا يعود أمر تحديدها إلا للقانون، وأخلّت بما للمطلوب تبليغهم من ثقة مشروعة في تطبيق قواعد التبليغ التي يعود للمشرع تحديدها، بما يضمن حقوقهم في التقاضي، ما يكون معه ما نص عليه المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من المادة 84 من أنه: “أو يصرح بذلك، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار ممن يدل ظاهرهم على أنهم بلغوا سن السادسة عشرة، على أن لا تكون مصلحة المعني في التبليغ متعارضة مع مصلحتهم”، مخالفاً للدستور”.

وبالتالي شددت المحكمة على أن “المقتضيات التي أحالت على المقطع المذكور أعلاه، في المواد 97 و101 و103 و105 و123 في فقراتها الأخيرة، و127 و173 و196 في فقراتها الأولى، و204 في فقرتها الثالثة، و229 في فقرتها الأولى، و323 في فقرتها الأخيرة، و334 و352 و355 و357 في فقراتها الأخيرة، و361 في فقرتها الأولى، و386 في فقرتها الأخيرة، و500 في فقرتها الأولى، و115 و138 و185 و201 و312 و439، تعد أيضاً مخالفة للدستور”.

هذا القرار، الذي حاز اهتماما سياسيا وحقوقيا واسعا، أعاد النقاش حول جودة التشريع، ومكانة المحكمة الدستورية في ضبط توازن السلط وضمان احترام المرجعية الدستورية.

ذ.عبد اللطيف وهبي:نحن لا نخشى الرقابة الدستورية 

 

وفي المقابل، رحبت وزارة العدل بقرار المحكمة الدستورية بشأن مشروع القانون، وأكدت أن “هذا القرار يشكل محطة دستورية هامة في مسار البناء الديمقراطي وتعزيز الضمانات القانونية داخل المنظومة القضائية الوطنية”. وإذ “تؤكد الوزارة احترامها الكامل لاختصاصات المحكمة الدستورية واستقلالها، فإنها تعتبر أن هذا القرار يعكس حيوية المؤسسات الدستورية للمملكة، ويجسد روح التفاعل الإيجابي بين السلط، في إطار احترام مبدأ فصل السلط، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات”.

وأكدت الوزارة ذاتها، ضمن بلاغ توصلت به بلبريس ، أن “المسار التشريعي لمشروع قانون المسطرة المدنية طبعته مقاربة تشاركية موسعة، ومداولات غنية، سواء داخل الحكومة أو المؤسسة التشريعية”، وزاد البلاغ: “وقد حرصت الوزارة خلال مختلف مراحل إعداد المشروع على الاستماع لملاحظات وتوصيات كافة الفاعلين، بمن فيهم ممثلو السلطة القضائية والهيئات المهنية والمنظمات الحقوقية؛ كما جددت التزامها بمواصلة العمل في إطار روح الحوار المؤسساتي البنّاء، من أجل ملاءمة النصوص القانونية مع أحكام الدستور، وتطوير تشريعات تواكب التحولات المجتمعية وتكرّس مبادئ الأمن القضائي، والشفافية، والنجاعة في أداء مرفق العدالة”.

وفي هذا السياق، صرّح عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، قائلاً: “نحن لا نخشى الرقابة الدستورية، بل نشجعها ونراها ضمانة حقيقية لدولة القانون. من يشكك في دور المحكمة الدستورية إنما يشكك في روح الديمقراطية نفسها. هذا القرار يفتح الباب أمام نقاش قانوني رفيع المستوى، ويعزز مشروعنا الإصلاحي داخل المؤسسات وبقوة المؤسسات”.

 

ذ.مصطفى الرميد: قرار المحكمة الدستورية يرسخ دولة الحق والقانون

اعتبر المصطفى الرميد، وزير العدل السابق، أن قرار المحكمة الدستورية الصادر في 4 غشت 2025 بعدم دستورية بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية، “يبين أهمية الدور الذي تقوم به المحكمة في ترسيخ أسس دولة الحق والقانون، والدور التحكيمي الذي تضطلع به بين المؤسسات والفرقاء السياسيين وغيرهم”.

وأوضح الرميد في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك”، أنه كان يتمنى أن يخضع قانون المسطرة الجنائية، الأكثر ارتباطا بالحقوق والحريات، للفحص الدستوري أيضا “حتى يتم حسم النقاش المستعر بشأن بعض مقتضياته الخلافية”.

وشدد على ضرورة الإسراع في إصدار مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية، واصفا تأخر صدوره بـ”تعطيل مقتضى دستوري هام يرتبط بالحقوق الدستورية الأساسية”، موضحا أن هذا القانون “سيؤهل كافة الأشخاص الذين يواجهون قضائيا أي مقتضى قانوني يقدرون عدم دستوريته للطعن فيه أمام المحكمة الدستورية”.

وأضاف الرميد أن “استمرار التأخر في إصدار هذا النص يؤدي إلى تعطيل مقتضى دستوري هام يرتبط بالحقوق الدستورية الأساسية، فضلا عن الاستمرار في سيطرة حالة من الريبة التشريعية التي لامبرر لها” وفق تعبيره.

د.رضوان اعميمي: قرار المحكمة يُعد انتصارًا لمجموعة من المبادئ الدستورية الأساسية

اعتبر الدكتور رضوان اعميمي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، أن قرار المحكمة يندرج ضمن اختصاصها الدستوري الأصيل، ويُعد انتصارًا لمجموعة من المبادئ الدستورية الأساسية.

وأوضح اعميمي متفاعلا مع حكم المحكمة الدستورية  أن “ما تعرفه المسطرة التشريعية من ملاحظات جوهرية على مختلف مراحلها، سواء من حيث ضعف النقاش، وهيمنة الحكومة، أو ظاهرة الغياب المتكرر داخل اللجان والجلسات العامة، يجعل من قرارات الرقابة الدستورية أدوات ضرورية لإعادة التوازن”.

وشدد اعميمي على أن إحالة القانون على المحكمة من طرف مجلس النواب يُعد سلوكًا مؤسساتيًا سليمًا يُجسد روح التعاون بين السلط، ويدعم الوظيفة الدستورية لمراقبة مطابقة القوانين، مضيفًا أن “إخراج نص بهذا الحجم، يتعلّق بمبدأ المحاكمة العادلة، في انسجام تام مع الدستور، هو مكسب للجميع”.

كما انتقد بعض التعليقات الصحفية التي ألبست قرار المحكمة لبوسًا شخصيًا أو صراعيًا، من قبيل “المحكمة تصدم وزير العدل”، معتبرا أن القرار فوق أي تأويل سياسي أو حزبي، بحكم حجيته الدستورية المطلقة، وأن ترحيب وزارة العدل به لا يزيد ولا ينقص من قوته القانونية الملزمة.

فاطمة التامني:صفعة قوية لحكومة عاجزة عن احترام الدستور

في المقابل، جاء موقف المعارضة البرلمانية أكثر حدة، إذ اعتبرت النائبة البرلمانية فاطمة التامني، عن فدرالية اليسار الديمقراطي، أن الإقرار بعدم دستورية عدد من مواد المشروع هو “صفعة قوية لحكومة عاجزة عن احترام الدستور ومبادئ المحاكمة العادلة”.

وانتقدت التامني ما سمّته “نهج الإقصاء والتسرع”، وغياب الحوار المؤسساتي مع مكونات العدالة، وتجاهل الملاحظات التي عبر عنها الفاعلون الحقوقيون والمهنيون منذ إحالة المشروع على البرلمان.

وأكدت النائبة اليسارية أن رفض المحكمة للدستور لا يجب أن يُختزل في ترقيعات جزئية، بل يجب أن يدفع نحو فتح نقاش وطني واسع حول إصلاح شامل لمنظومة العدالة، مشددة على أن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتم بمنطق المصالح السياسية الضيقة، بل بإعلاء مصلحة المواطن وضمان حقه في محاكمة عادلة ومرفق قضائي ناجع.

وتكشف هذه التفاعلات السياسية والأكاديمية مع قرار المحكمة الدستورية أن الاختلالات التشريعية لم تعد مجرد هفوات تقنية، بل تعكس أعطابًا في المسار الديمقراطي نفسه، وتحديات على مستوى إنتاج القاعدة القانونية وفق روح الدستور ومنطق التشاركية.

كما يُعيد القرار إلى الواجهة أهمية تعزيز دور المحكمة الدستورية ليس فقط كجهاز مراقبة تقنية، بل كفاعل مؤسساتي يكرّس الحقوق، ويصحح الانحرافات التشريعية التي قد تمس جوهر دولة الحق والقانون.

ذ.محمد الغلوسي:المحكمة الدستورية تتصدى لجنوح الحكومة لخنق حقوق الدفاع وشروط المحاكمة العادلة 

قال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إن “عقل الدولة” تصدى بقوة لانحرافات حكومة وصفها بـ”حكومة زواج السلطة والمال”، والتي أظهرت ميولًا خطيرة نحو خنق حقوق الدفاع والتضييق على شروط المحاكمة العادلة.

وأضاف الغلوسي أن هذا التصدي جاء من خلال قرار المحكمة الدستورية التي رفضت مجموعة من المواد الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية، وعلى رأسها المادة 17 التي أثارت جدلًا واسعًا، حيث كانت تمنح النيابة العامة حقًا مطلقًا للطعن في الأحكام القضائية النهائية، دون التقيد بأي آجال، ما يشكل – حسب قوله – تهديدًا خطيرًا لاستقرار المعاملات، ويضع حقوق المواطنين فوق “كف عفريت”، ويزرع شعورًا عامًا بانعدام الأمان القانوني والقضائي، في حين أن الأحكام القضائية يفترض أن تكرّس الأمن والثقة في المؤسسات.

وتابع الغلوسي موضحًا أن المحكمة الدستورية أوقفت أيضًا مقتضيات أخرى لها صلة بالتبليغ، من بينها المادة 84، التي كانت تعتبر التبليغ صحيحًا إذا تم لوكيل أو لأي شخص يصرّح بأنه يعرف أو يعمل لفائدة الشخص المراد تبليغه أو يسكن معه، وهو ما اعتبره الغلوسي “محاولة لحل إشكالية التبليغ على حساب حقوق الدفاع”، وتحميل المتقاضين تبعات إدارية وقانونية تمس جوهر المحاكمة العادلة. وأضاف أن “وزير العدل نفسه لم يتردد في اقتراح تبليغ المواطنين عبر الرسائل القصيرة، بل ذهب أبعد من ذلك، حين تحدّث عن إمكانية تكليف شركات خاصة مثل شركات توصيل الطلبات بنقل الأحكام القضائية وتسليمها لأصحابها”، معتبرا ذلك عنوانًا صارخًا لحكومة ومسؤولين عاجزين عن تدبير مكتب صغير، فبالأحرى شؤون دولة ومصالح شعب.

وأشار الغلوسي إلى أن المحكمة الدستورية تصدت أيضًا، وبشكل مشكور، للمادتين 107 و364 اللتين تمنعان الدفاع من التعقيب على مذكرات ومستنتجات المفوض الملكي، ما يشكل، حسب تعبيره، انتهاكًا واضحًا وصريحًا لحقوق الدفاع التي تكفلها المواثيق الدولية والدستور المغربي والتقاليد القضائية الراسخة.

وأكد الغلوسي أن “الحكومة ليست هي الدولة”، وهي الرسالة الأساسية التي وجهتها المحكمة الدستورية من خلال قرارها، مشيرًا إلى أن هذه المحكمة هي الحريصة على احترام الشرعية الدستورية والمكتسبات الحقوقية التي تراكمت عبر عقود، ولا يمكن السماح بالعبث بها من أجل إرضاء تطلعات نخبة سياسية تطمح إلى إغلاق كل النوافذ التي يتسلل منها نور الأمل والتغيير.

وأضاف أن قرار المحكمة الدستورية يمثل صفعة قوية لحكومة قال إن وزراءها لا يفقهون في القانون ولا في السياسة، وإنما يتقنون فقط التهريج والتهديد و”التنطع”، ويستقوون على الضعفاء، بينما يوظفون البرلمان لتمرير تشريعات تخدم فئة محدودة من المستفيدين من الفساد والريع والإثراء غير المشروع.

وانتقد الغلوسي ما وصفه بـ”تردد” حكومة الأوليغارشية المالية في إحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية، مخافة أن يتم إسقاط نصوصها التي تهدف إلى غلق الحقل المدني وتجريم التبليغ عن الفساد، في إطار ما أسماه بـ”تشريعات وقائية لتحصين الزبناء المتورطين في نهب المال العام واستغلال مواقع المسؤولية للاغتناء”.

وأوضح الغلوسي أنه من المفارقات الصارخة في تعاطي الحكومة مع النيابة العامة، أنها منحتها بموجب المادة 17 من قانون المسطرة المدنية سلطات مطلقة للطعن في الأحكام النهائية دون أجل، في حين قيدت دورها في مشروع قانون المسطرة الجنائية، ومنعتها من تحريك الأبحاث والمتابعات في قضايا الفساد ونهب المال العام، كما هو واضح في المادة 3 من المشروع نفسه، معتبرا ذلك دليلا على ازدواجية المعايير وخدمة مصالح نخبة ريعية لا تريد أي محاسبة.

وفي ختام تصريحه، أكد محمد الغلوسي أن الجمعية المغربية لحماية المال العام تطالب بإلحاح بإحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية، والتي “لا شك ستقضي بعدم دستورية المادتين 3 و7 على الأقل”، لما تمثلانه من انحراف تشريعي واضح، وتوظيف للبرلمان من طرف نخبة فاقدة للمصداقية، بهدف تحصين المتورطين في نهب المال العام من أي مساءلة، في انتهاك سافر للدستور، ولاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب.

ذ.كوثر جلال:قرار المحكمة الدستورية بشأن قانون المسطرة المدنية يشكل تمرينا ديمقراطيا راقيا

من جانبها، قالت كوثر جلال، المحامية بهيئة المحامين بالدار البيضاء، إن “القرار الصادر عن المحكمة الدستورية بشأن قانون المسطرة المدنية يشكل تمرينا ديمقراطيا راقيا، يجسد صرامة مؤسساتنا وجديتها في احترام الدستور وسيادة القانون”.

لكن بعيدا عن مضمونه، أكدت جلال أن “القرار تذكير عاجل بمطلب دستوري مؤجل”، موضحة أنه “يعيد إلى الواجهة مسألة دستورية أساسية طال إغفالها، وهي الدفع بعدم دستورية القوانين، المنصوص عليه في الفصل 133 من الدستور”.

وذكرت المحامية أنه “منذ سنة 2011، منح الدستور لكل متقاض الحق في الاعتراض، أثناء النظر في قضيته، على دستورية أي قانون يُراد تطبيقه عليه، إذا كان يمس بحقوقه أو بحرياته الدستورية”، غير أن هذا الحق، بحسبها، لا يزال معلقا بسبب غياب القانون التنظيمي الذي يحدد شروط وإجراءات تطبيقه.

ولهذا، شددت المتحدثة أنه آن الأوان ليتحمل المشرّع مسؤوليته، ويُسارع إلى إصدار القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية، قصد تفعيل هذا الحق وتمكين العدالة الدستورية بالمغرب من الارتقاء إلى مستوى الرقابة المواطِنة والمشاركة الفعلية في حماية الحقوق.

️وفي غضون ذلك، أكدت كوثر جلال أن الضمان الحقيقي لسمو الدستور لا يكمن فقط في الرقابة السابقة على القوانين، بل في تمكين المواطنين أنفسهم من الاحتكام إلى الدستور كلما مُسّت حقوقهم.

 د.بثينة قاروري: المحكمة الدستورية اعتمدت لأول مرة قاعدة جديدة في قرارها

وبخصوص تفاصيل القرار، أوضحت بثينة قاروري أستاذة القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس السويسي الرباط، أن “المحكمة الدستورية اعتمدت لأول مرة قاعدة جديدة في قرارها، حيث ركزت على المواد التي بدت لها بشكل جلي مخالفة للدستور فقط، دون مراقبة شاملة لكامل النص”، معتبرة أن هذا “الأسلوب جديد وجدير بالنقاش”.

في المقابل، أوضحت قاروري أنه في النظام الفرنسي، عندما يُحال القانون للمحكمة الدستورية بطريقة تسمى “الإحالة البيضاء” (saisine blanche)، تقوم المحكمة بفحص شكل القانون وإجراءات إعداده فقط، أما المضمون أو مضمون المواد فيتم فحصه جزئياً أو لا يتم فحصه إطلاقاً.

أما في المغرب، فأشارت المتحدثة، إلى أن اللجوء إلى الإحالة الاختيارية القبلية بهذه الطريقة نادر، ولهذا فإن القاضي الدستوري المغربي عادة ما يكون في موقف يؤهله لفحص كامل نص القانون بشكل أوسع، وليس فقط فحص بعض المواد.

وأبرزت قاروري أن المحكمة الدستورية في هذا القرار قامت بمراقبة موضوعية جزئية لقانون المسطرة المدنية، حيث تركزت الرقابة على 11 مادة فقط من أصل 644 مادة، لكنها سمحت بترك المجال مفتوحاً أمام المواطنين للطعن بدستورية المواد الأخرى عبر الدفع بعدم الدستورية أثناء سير القضايا.

وأكدت أن المحكمة استحضرت مفهوم التكامل بين الرقابة القبلية الاختيارية والرقابة البعدية في الدفع بعدم الدستورية، ما يعني أن حماية الحقوق الدستورية لا تقتصر على الرقابة السابقة فقط، بل تشمل أيضاً المراقبة أثناء سير الدعوى أمام المحاكم.

لكن في المقابل، نبهت قاروري إلى أن “القانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية لم يصدر بعد، وهو ما يؤخر تفعيل هذا الحق الدستوري”، داعية إلى “التعجيل بإصدار هذا القانون لضمان فعالية الرقابة الدستورية وحماية الحقوق

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *