إدماج مربيات التعليم الأولي في التغطية الاجتماعية: خطوة نحو رد الاعتبار لفئة منسية
في تحرك طال انتظاره، أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن إدماج مربيات ومربي التعليم الأولي ضمن منظومة التغطية الاجتماعية، في خطوة وصفتها الأوساط التربوية والنقابية بـ"المنعطف المفصلي" في مسار إنصاف هذه الفئة، التي ظلت لعقود تشتغل في ظروف هشة، بعيدًا عن أبسط الحقوق الاجتماعية.
القرار يندرج في إطار التفعيل العملي للتوجيهات الملكية الرامية إلى تعميم الحماية الاجتماعية، ويأتي كجزء من مشروع وطني واسع لبناء نموذج تنموي أكثر عدلاً وإنصافًا. وسيشمل هذا الإجراء الآلاف من المربيات والمربين المنتشرين في مختلف أقاليم المملكة، ممن كانوا، إلى وقت قريب، خارج أنظمة التغطية الصحية والتقاعد.
وحسب بلاغ رسمي صادر عن الوزارة، فإن تنفيذ القرار سيتم على مراحل، تبدأ أولاً بتسجيل المربيات والمربين في السجل الوطني للسكان، قبل إدماجهم في نظام التأمين الإجباري عن المرض، ونظام المعاشات، على غرار ما تم اعتماده مع فئات مهنية أخرى. كما أوضحت الوزارة أن العملية تتم بشراكة مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمندوبية السامية للتخطيط، وبتنسيق مع الجمعيات المشغّلة والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
ترحيب ميداني مشوب بالحذر
في تصريح لجريدة هسبريس، عبّرت كريمة سرحان، مربّية سابقة في التعليم الأولي وعضو جمعية "أجيال الغد" بخنيفرة، عن ارتياحها لهذا القرار، واصفة إياه بـ"الخطوة الجريئة التي تأخرت كثيراً"، معتبرة أنه يشكل بارقة أمل لفئة ظلت تشتغل في الظل، محرومة من أبسط حقوقها المهنية والاجتماعية.
غير أن سرحان، كغيرها من المهنيين، أبدت تخوفها من أن يتحول هذا الإجراء إلى مجرد "إعلان رسمي بلا أثر ملموس"، إذا لم يُواكب بإجراءات عملية تضمن عقود عمل دائمة، وأجور تحفظ كرامة المربيات، وتكوين مستمر يرفع من الكفاءة التربوية. كما دعت إلى وضع آلية واضحة لتتبع مدى التزام الجمعيات المشغّلة بالمعايير الجديدة، من أجل تفادي التفاوتات الجهوية التي لطالما طبعت هذا القطاع.
بداية مسار إصلاحي لا نهاية حل
من جهته، أكد مصدر مسؤول في وزارة التربية الوطنية أن إدماج المربيات في منظومة التغطية الاجتماعية يُعد ترجمة فعلية للورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، ويهدف إلى ضمان مزيد من العدالة والإنصاف داخل المنظومة التربوية. وشدد على أن القرار يخصّ كل من يشتغل في إطار برامج التعليم الأولي العمومي، سواء عبر الجمعيات أو الأكاديميات، شرط التوفر على عقود مفعّلة ومسجّلة.
وأضاف أن الوزارة وضعت خطة عمل دقيقة لتتبع هذا المشروع، تشمل إعداد لوائح المستفيدين، تسجيلهم في السجل الوطني للسكان، ودمجهم في أنظمة الحماية الاجتماعية، مع تتبع ميداني من طرف المصالح الجهوية، وإحداث لجنة مركزية للتقييم تضم ممثلين عن المؤسسات الشريكة.
كما أشار إلى أن هذا القرار ليس سوى بداية لمسار إصلاحي أشمل، يرتكز على تحسين بيئة العمل، والرفع التدريجي من الأجور، وتوحيد شروط التكوين، مؤكداً أن الوزارة تشتغل على إعداد مرجع وطني لمهنة المربي(ة)، سيمكن من تقنين الوضعية وتحديد المهام بدقة، بهدف ضمان جودة التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة.
نحو اعتراف مستحق بدور أساسي
بقدر ما يحمل هذا القرار أبعادًا اجتماعية واقتصادية، فإنه يحمل أيضاً بُعداً رمزياً بالغ الأهمية؛ إذ يشكل اعترافاً مؤسساتياً بدور المربيات والمربين في بناء أسس النظام التربوي. فالاشتغال في مرحلة حساسة من حياة الأطفال لا يمكن أن يستمر في ظل الهشاشة والإقصاء.
اليوم، ومع إدماجهم في منظومة التغطية الاجتماعية، تُفتح أمام المربيات والمربين نافذة أمل نحو مستقبل أكثر استقراراً وإنصافاً، لكن نجاح هذا الورش يظل رهيناً بمدى التزام الدولة والفاعلين المعنيين بتحويله من قرار إداري إلى واقع اجتماعي ينعكس إيجاباً على الميدان التربوي.
الرهان واضح: إصلاح التعليم يبدأ من القاعدة... ومن يربّون أجيال الغد يستحقون أكثر من مجرد اعتراف.