اجتمع وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عز الدين الميداوي، مع عمداء الكليات بالمغرب زوال الجمعة الماضي لتحديد معالم مستقبل الكليات بالمملكة، في زمن يعرف فيه هذا القطاع الحيوي عدة اختلالات تدبيرية ولوجستيكية وبيداغوجية، وآفاق رمادية كثيرة تؤثر سلبًا على تسريع وتيرة الإصلاح الجامعي وتأهيل الجامعات المغربية لولوج جامعات الاقتصاد الأخضر والذكاء الاصطناعي والرقمنة.
وتمحور اجتماع الوزير الميداوي مع العمداء حول أربع محاور أساسية وهي:
أولًا - اختصاصات الكليات:
يُعتبر هذا الموضوع من المواضيع القديمة-الجديدة، حيث إنه يشكّل نقطة خلاف بين الوزارة والجامعات والكليات، ويخصّ بالتحديد كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، التي تم تقسيمها إلى صنفين وفق قرار التقسيم الجديد للكليات والتسميات الجديدة لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية.
ووفق قرار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي رقم 3337.19 الصادر في 2 ربيع الأول 1441 الموافق 29 فبراير 2019، فقد نصّ على تقسيم كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية إلى:
- كليات العلوم القانونية والسياسية
- كليات الاقتصاد والتدبير
وقد شمل هذا التقسيم لحد الان كليتي سطات التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات، والقنيطرة التابعة لجامعة ابن طفيل بالقنيطرة.
وقد عبّر وزير التعليم العالي في الاجتماع السابق ذكره عن رغبته تنفيذ قرار اختصاصات الكليات في أقرب وقت، مع منح عمداء الكليات فرصة من الوقت لتطبيق هذا القرار بتنسيق مع رؤساء الجامعات، بعد مرور أربع سنوات على قرار هذا التقسيم، والذي ما زالت مختلف كليات المملكة لم تنفّذه تحت ذرائع متعددة.
ثانيًا - إعادة النظر في دفتر الضوابط البيداغوجية:
رغم دخول نظام الضوابط البيداغوجية حيز التنفيذ للسنة الثانية، لم تُنجز الوزارة ولا رؤساء الجامعات، حتى الآن، أي عملية تقييم جريئة للنظام البيداغوجي الجديد رغم بعض الأعطاب التي أفرزها ، حتى ان البعض اصبح يشكك في امكانية نجاح هذا الاصلاح وضوابطه البيداغوجية.
يتفق الجميع على أن هذا القطاع تعرّض لتجارب "إصلاح" متعددة مع وزراء وحكومات مختلفة، لكن كل هذه المحاولات لم تنجح في إخراج منظومة التعليم العالي من أزمتها البنيوية بعد تسييسه بشكل مفرط.
في هذا الصدد، يتفق جل المهتمين أن ما يُسمى بالإصلاح البيداغوجي أو دفتر الضوابط البيداغوجية'' CNPN'' لم يختلف في جوهره عن نظام ''LMD''، رغم تغيّر وزراء التعليم العالي.
فالوزير الداودي وضع مشروع إصلاح جامعي لم يكتمل، ثم جاء بعده الوزير أمزازي وحدّد خارطة طريق إصلاحية جديدة لم تكتمل، وتلاه الوزير الميراوي الذي وضع معالم إصلاح جامعي جديد لم يكتمل هو الآخر.
والآن جاء الوزير الحالي الميداوي، الذي سيُعيد ترتيب أولويات ومعالم إصلاح التعليم العالي وفق رؤيته،وسيحاول تسريع وتيرة عمله الاصلاحية بسبب عامل الزمن . لكونه لن يطول في المنصب الوزاري مع قرب نهاية الانتداب الحكومي الحالي، ولن يسعفه الوقت لإكمال فلسفته الإصلاحية، ويبقى الخاسر الأساسي في هذا كله هو الجامعة المغربية بكل مواردها البشرية: أساتذة وإداريين وطلبة.
ومن أهم ما يُؤخذ على النظام البيداغوجي الجديد:
- عدم تحديد وظيفة الجامعة وفهم الهدف العام من التعليم الجامعي والبحث العلمي ومن مهام الأستاذ الجامعي بشكل واضح.
- انعدام الرابط بين فلسفة الإصلاح البيداغوجي والخيارات الاستراتيجية الكبرى للدولة.
- إثقال كاهل الأستاذ الباحث والإداري بمهام ومسؤوليات جديدة دون أي تحفيز مادي.
- اختزال مهام الأستاذ في المراقبة والامتحانات على حساب التأطير.
- محدودية الإمكانات البشرية والمادية وضعف نسبة التأطير.
- التسرّع في تطبيق النظام البيداغوجي الجديد وصياغة المضامين الجديدة الملقّنة للطلبة.
- اختلالات نظام الأسدوسيات: التسجيل في الوحدات، وشروط الانتقال من أسدس إلى آخر.
- التركيز على كمّ التكوين بدل التركيز على الكيف.
-ضعف البنيات التحتية بجل الجامعات ، وتراجع مستوى الموارد البشرية والادارية لمواكية الاصلاح الجامعي الجديد.
وعليه، فإن المهام الكبرى المطروحة اليوم على الوزير الجديد هي إعادة النظر في بعض مواد دفتر الضوابط البيداغوجية الجديدة بشكل وطني وعقلاني، يتبنّى منظورًا شموليًا لمنظومة التعليم العالي تشارك فيه جميع مكونات الجامعة المغربية.
ثالثًا - مراكز التميز:
من أهم مستجدات الإصلاح الجامعي التي عرفتها الجامعات المغربية، والتي تم تنزيلها والعمل بها انطلاقًا من الموسم الماضي، هو إطلاق مسارات جديدة تحت اسم "مسارات التميز" ابتداءً من باك +2 في مؤسسات التعليم العالي ذات الولوج المفتوح، من خلال إحداث 63 مركزًا للتميز.
وتهدف هذه المراكز إلى إرساء تكوينات وفق مسارات منسجمة، مثل إدراج مهارات القوة لتعزيز الكفاءات الأفقية والرقمية للطلبة، اعتماد الإشهاد في اللغات الأجنبية، اعتماد نظام الأرصدة القياسية، بالإضافة إلى مأسسة برامج الحركية الوطنية والدولية. وتهدف هذه الإجراءات إلى رفع قابلية التوظيف لدى الخريجين وتعزيز قدراتهم لمواكبة المتطلبات المتسارعة للقطاعات السوسيو-اقتصادية.
لكن، حان وقت تقييم مسارات هذه المراكز التي تواجه عدة مشاكل، منها العدد المحدود (200) وعدم تكافؤ الفرص بين الجامعات والكليات، وعلاقتها بدبلومات التكوين المهني.
رابعا - اختلالات تطبيق "روزيطا ستون" (Rosetta Stone):
شهد الموسم الجامعي 2023-2024 إطلاق مجموعة من المشاريع ذات الصلة بتسريع التحول الرقمي لقطاع التعليم العالي، من خلال تفعيل منصات رقمية جديدة، مثل المنصة الوطنية للتوظيف بالجامعات والإدارة المركزية، والمنصة الخاصة بالترخيص لمؤسسات التعليم العالي الخاص، بالإضافة إلى منصات أخرى متعلقة بتدبير المسار الأكاديمي للطلبة ومعادلة الشهادات وبرامج الحركية الخاصة بالطلبة الأجانب.
كما اعتمدت الوزارة تطبيق "روزيطا ستون" (Rosetta Stone) بغرض مساعدة الطلبة على تعلم اللغتين الفرنسية والإنجليزية وإتقانهما، سواء من ناحية القواعد أو من ناحية التواصل.
وبعد سنتين من تطبيق هذه المنصة، ظهرت عدة مشاكل بالنسبة للطلبة، بالإضافة إلى الأساتذة والإداريين، مثل:
- ضعف الموارد البشرية المسؤولة عن تطبيق المنصة.
- ضعف البنيات التحتية داخل الجامعات، خصوصًا القاعات المجهزة بالحواسيب، مما يجعل استخدامها شبه مستحيل للكثير من الطلبة.
- مشاكل تقنية مثل صعوبة الولوج إلى التطبيق وعدم احتساب الوقت الذي يقضيه الطلبة بشكل دقيق.
- أعطاب تقنية تعيق استخراج شهادات النجاح بعد اجتياز جميع المراحل.
أما على مستوى الطلبة، فقد بدأ البعض يلجأ إلى الحيل لزيادة عدد الساعات المحسوبة أو محاولة قرصنة التطبيق، مما خلق أعطابًا تقنية إضافية.
لذى، بات من الضروري على الوزارة إعادة النظر في اعتماد المنصة بشكل كامل، لتجاوز الأعطاب التي يعاني منها الطلبة وضمان توافقها مع بنيات الجامعات المغربية.
حسب بعض العمداء الذين حضروا الاجتماع استبشروا خيرا بشكل وبمضمون اول اجتماع مع الوزير الجديد الميداوي ، الذي ليس امامه الكثير من الوقت لوضع سكة الاصلاح الجامعي في الاتجاه الصحيح ، مع مطالبة رؤساء الجامعات وعمداء الكليات الإبتعاد عن التملق و تزييف الحقائق ومحاولة التقرب من الوزير الجديد لإرضائه بدل إرضاء المؤسسات ، لأن الواقع الجامعي اليوم ليس احسن مما يرام ،وهناك تذمر يسود الجامعات المغربية لكثرة الزوايا الرمادية المحيطة بهذا الإصلاح الجامعي الإستراتيجي ، ونجن جميعا نتحمل مسؤولية هذا الوضع ، ولتجاوزه علينا جميعا ان نلتزم المبدأ الدستوري المتعلق بالديمقراطية التشاركية في نظام دولي جديد يتشكل أساسه العلم والاقتصاد الاخضر والذكاء الاصطناعي والرقمنة والبحث العلمي،
اليوم ، المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ''PACTE ESRI 2030 ''بحاجة لنفس إصلاحي جديد مبني على تغيير تدبير المؤسسات الجامعية وليس على تغيير الأشخاص من رؤساء جامعات وعمداء كليات ومديري معاهد لكي لا نستمر في هدر الزمن الجامعي.