روسيا تركز على المغرب… وتنافس عالمي يحتدم في مراكش

أضحى المغرب في الآونة الأخيرة قبلة عالمية للمنتديات والاجتماعات الدولية والعالمية، ما يعكس الإشعاع الخارجي للمملكة ويعزز مسار التنمية، باعتباره قطبًا جذابًا يتمتع بثقة عالمية ومناخ آمن.

ويرجع ذلك إلى إدراك المجتمع الدولي للخطط التنموية المغربية المستقبلية، بعد سلسلة من الأوراش المؤسساتية والاقتصادية والتجارية والصناعية الكبرى، ما يؤكد على الريادة القارية والإقليمية للمغرب.

منتدى التعاون الروسي العربي في مراكش

بعد نجاح اجتماعات البنك الدولي التي حضرها أكثر من 500 وافد رسمي و15 ألف مشارك بين 9 و15 أكتوبر 2023، أعلنت روسيا عن إصرارها على وضع إطار استراتيجي للعلاقات مع الدول العربية، وتحديدًا في مراكش، ضمن الخريطة السياسية العالمية عبر إحياء منتدى التعاون الروسي العربي.

وجاء هذا الإعلان بعد فترة من السكون منذ 2019، إثر فشل تنظيم المنتدى في المغرب سنة 2021، حيث أعلنت القاهرة كبديل، إلا أن موسكو أصرّت على المغرب رغم الفتور في العلاقات بسبب الحرب في أوكرانيا وملف الصحراء المغربية.

وقد أكدت الخارجية الروسية أن المنتدى سيُنظم في ديسمبر المقبل بمراكش، رغم الصمت المغربي الرسمي، في ظل تغيّر مواقف الدولتين عبر الحياد في الممارسة الأممية.

سبق للخارجية الروسية، ممثلة في وزيرها سيرغي لافروف، التأكيد على معيار “هيبة الدولة” ومواقفها الدولية، في سياق الحديث عن انضمام المغرب إلى منظمة بريكس، والتي رفض المغرب الحضور إليها رغم العرض الأحادي، بينما أصرّت الجزائر على العضوية.

النموذج المغربي كقوة استقرار

هذا المعيار يؤكد الاستراتيجية المغربية النموذجية على الصعيد الدولي، عبر مجموعة من المداخل التي تعزز الثقة العالمية في المغرب، من خلال الإصلاحات المؤسساتية والديمقراطية، والاستقرار الأمني، والتشبث بالقيم التراثية والروحية الأصيلة، ما يعكس تماسكًا اجتماعيًا وسياسيًا يقلل من احتمالية الأزمات.

كما أن النموذج المغربي يُعطي مناعة داخلية ضد الصراعات، بفضل سياسة خارجية واضحة تقوم على تقريب وجهات النظر، وتقبل الاختلاف، والانكباب على المصالح المتبادلة، وتجنب المواقف الهجومية والعداء المجاني.

ويضيف الاستقرار السياسي والأمني في المغرب قيمة إضافية، لكونه دولة مركزية صلبة وقوية بخلفية حكيمة وثابتة، مما يجعلها قطبًا جذابًا للاستثمارات الدولية والممرات التجارية العالمية.

كما أن الثقة التي يتمتع بها المغرب على المستوى العربي والأفريقي والأوروبي تجعله بلد وسيط لتقريب المصالح الاستراتيجية بين مختلف الدول الإقليمية والقارية والدولية، بفضل الموقع الجغرافي الاستراتيجي والتاريخ العميق للمملكة.

الإصلاحات المؤسسية والبنية الاقتصادية

عمل المغرب تحت القيادة الملكية على استثمار جميع هذه المقومات ليصبح قطبًا عالميًا جذابًا، من خلال إصلاحات مؤسساتية بطيئة على المستوى العالمي وسريعة على المستوى الإقليمي والقاري.

كما قدم المغرب عرضًا نموذجيًا عبر تطوير البنية التحتية والاقتصادية، من طرق ومطارات وموانئ، وأوراش مؤسساتية وقانونية، وتأهيل العنصر البشري، والاعتماد على الطاقات الخضراء والمتجددة، مما زاد من الطلب العالمي على العرض المغربي وجعله محطة لاستقرار الشركات الدولية، وقطبًا اقتصاديًا وصناعيًا وعلميًا، وبوابة إفريقيا نحو العالم.

دور المغرب في السياسة الدولية

احتضان المغرب للمنتديات والاجتماعات العالمية يعكس الوزن الإقليمي والعالمي للمملكة، والثقة في نموذجها الصلب القادر على تجاوز الأزمات الدولية، ودورها المحوري في إفريقيا والعالم العربي، والمساهمة في بناء الوعي السياسي والاستراتيجي والمصلحي والروحي وفق منظور ديبلوماسي بعيد عن النزاعات.

ويأتي إصرار روسيا على المغرب في هذا الإطار، نظرًا للمنافسة القوية على المملكة، بالإضافة إلى أن مراكش مدينة مثالية تجمع بين الرمزية التاريخية، والتنوع الثقافي، والموقع الاستراتيجي، ما يوفر أرضية مناسبة لنقاط التقارب في منتدى التعاون الروسي العربي.

التحولات في النظام العالمي

تشهد الخريطة السياسية الدولية تحولات سريعة، مع قيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، اشتدت فيه المنافسة والصراعات على النفوذ، بما في ذلك النفوذ في إفريقيا وبوابتها الشمالية، حيث يتمتع المغرب بوزن إقليمي وقوة قارية بعد قيادته لتمرد ضد النفوذ الفرنسي، بينما انبطح النظام العسكري الجزائري إلى النفوذ الفرنسي.

ويؤكد هذا التوجه الروسي أن المغرب يُنظر إليه كـ آلة ديبلوماسية لإنتاج مواقف حكيمة ومتبصرة، وهو ما يفسر استضافته لهذه التظاهرات العالمية، التي سيكون لها تأثير مباشر على نمو قطاع السياحة، ومناخ الاستثمار، وجذب المؤسسات المالية الدولية.

بالإضافة إلى فوائد اقتصادية واجتماعية وثقافية ورمزية، خاصة مع اقتراب المغرب من تنظيم فعاليات كروية عالمية وقارية، مما يعزز مصالح الدولة ونموذجها التنموي وينعش الاقتصاد الوطني والسياحة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *