لا تكاد تقترب أية إنتخابات، و يدنوا موعدها، إلا وعادت النخب السياسية إلى تغيير لون انتمائها الحزبي من جهة، وإذكاء النعرات القبيلة من جهةٍ أخرى، فالمجتمع الصحراوي، ورغم تمدنه وسكنه المدن، إلا أنه لا زال يعود القهقرى إلى زمن “الفركان” و الخيام والسيف اليماني.
وفيما لا يزال المشهد السياسي ضبابيًا، إلا أن بعض الارهاصات توحي بأن استحقاقات 2021 ستكون رمالًا متحركة في الفضاء الصحراوي الساخن، فقد بدأت تحالفات وتفرقت أخرى، وما يزال تحت الرماد الكثير.
الأحرار.. خلاف وأحلاف
حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي كان يجمع حلفًا من قبيلتي "إزركيين" و"أيت لحسن" -القبيلتان اللتان تنتميان لما يسمى "تجمع قبائل تكنة"- تفرقت بها السبل، بعد خلاف طويلٍ كاد يعصف بالحزب في أكبر حواضر الصحراء، وهو ما قاد محمد الرزمة المستشار البرلماني عن حزب "الحمامة" إلى الارتماء في حضن "الوردة".
وسيخوض محمد الرزمة، الاستحقاقات المقبلة بلون حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، عقب الخلاف الذي كان بينه وبين حلفائه السابقين بـ"الحمامة"، وبعد سيطرة كل من المنسق الجهوي للأحرار، محمد عياش، والمنسق الإقليمي للعيون، محمد سالم بهيا، على حزب التجمع الوطني للأحرار جهويا، بدعم من المكتب السياسي لحزب الحمامة الذي عينهما في المنصبين المذكورين.
ووفق مصادر "بلبريس" فإن دفة قبيلة "إزركيين" ستتجه نحو "آل الجماني" (لبيهات الرقيبات)، وهي إحدى العائلات السياسية التي استفادة من الريع بالصحراء، والتي خاضت غمار الاستحقاقات الانتخابية السابقة بـ"جزار" الأصالة والمعاصرة.
وتضيف المصادر أن الحلف القادم بين الغريمين التقليديين لعائلة "آل الرشيد" "سيكون تحت يافطة الأحرار، هذه المرة وليس الأصالة والمعاصرة".
ولم تكشف المصادر ما إذا كان هذا الحلف سيكون لائحة انتخابات البلدية أم الجهة.
الولاء للقبيلة وليس لولاء الأحزاب
في الصحراء، لا وجود للأحزاب والأيديولوجيات، أو البرامج السياسية؛ إذ لا صوت يعلوا على صوت القبيلة والولاءات لـ"القطط السمان" التي راكمت ثروتها من صراع الصحراء.
ويرى الباحث في العلوم السياسية، كريم عايش أنه "مع التحولات العالمية للمجتمعات، حافظ المجتمع الصحراوي على طبيعته المجتمعية، ولم تفلح التغيرات الحضرية وتمدد المدن، ولا اختراق الطرق وتحول البيداء الى مدن مزدهرة ومتطورة في تغيير الاسس البنيوية للمجتمع الصحراوي".
ويضيف عايش أن هذا الاخير وإن كان غالب "تكوينه رحلا استقروا في اطار مداشر وقرى، تعتمد على رعي الإبل والتجارة العابرة للصحراء فهو أيضًا يتمتع بنظام تشاوري وديمقراطي ينهل من أسس الشريعة الاسلامية التي تدعو الى الالتفاف حول الجماعة والشيخ".
ويوضح عايش لـ"بلبريس"، ومن هنا نجد ان جل القبائل الصحراوية "تجتمع حول شيخها الاكبر سنا والأكثر حكمة، وهي عناصر جد هامة لتحليل التركيبة السياسية لقبائل الصحراء والتي في انتمائها السياسي لا تتبنى فكرا خاصا بها، اذ تعتبر في جزء كبير من فكرها أن شؤون الدولة من اختصاص السلطان والذي يستعين بأطر ووزراء يكونون ولاة وعمال يعينه على أمور الحكم، لذا فليس من السهل أن تعلن قبيلة انتماءها السياسي إلا اذا تم الاجتماع والتشاور وغلبة تقارب الرأي مع المصلحة العامة وأيضا مصداقية المحاور السياسي وجديته".
ويخلص المحلل السياسي إلى أنه "لا يمكن أن تقبل قبائل الصحراء بالانتماء من تلقاء نفسها لحزب معين إلا إذا رأى أعيان القبيلة من الجدية والصدق في المحاور ما يدفعهم للوثوق به وبالتالي اتباع منهجه السياسي، وهذا أمر مختلف تماما عما يحدث عادة في إطار ما يعرف بالميركاتو السياسي حيث ينتقل المرشحون وأصحاب المال والباحثون عن التزكيات من حزب إلى حزب في تسفيه واضح وتبخيس صريح للعمل السياسي والعمل الحزبي".
الاستقلال.. استقطابات وانشقاقات
من جهة أخرى، يشهد حزب الاستقلال الذي يقوده حمدي ولد الرشيد، منسق الحزب بالجهات الجنوبية الثلاث، تصدر محمد الرشيد، للمشهد الحزبي في العيون، فيما بات يعرف بأنها "الاستعدادات للتوريث".
ويعمل محمد الرشيد، إبن رئيس بلدية العيون، ونائبه؛ على استقطاب سياسيين وأطر للحزب، من أجل تصدر المشهد، فتغيير الألوان السياسية بالصحراء يشبه إلى حدٍ ما تغيير الأقمصة.
واستقطب محمد الرشيد، كلًا من: محمد المصطفى شرف الدين عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والإشتراكية، البشير زعواطي المدير الجهوي للتخطيط بجهة العيون الساقية الحمراء، محمد بولسان المدير الجهوي لقطاع الشباب والرياضة بجهة العيون الساقية الحمراء، محمد البشير التوبالي المدير الإقليمي للتعليم بالعيون، سامي الصلح الطيب المدير الجهوي للتكوين المهني بجهات كليمبم واد نون العيون الساقية الحمراء الداخلة واد الذهب، محمد الإمام ماء العينين رجل الأعمال القنصل الفخري لجمهورية ساحل العاج بمدينة العيون وحميد الإدريسي عميد الكلية متعددة التخصصات بالسمارة ومدير المدرسة العليا للتكنولوجيا بالعيون.
ورغم الاستقطابات التي يقوم بها حزب الاستقلال، -الذي يقوده "آل الرشيد" إحدى العائلات السياسية النافذة بالصحراء، ومن المستفيدين الكبار من الريع بها-، إلا أن هناك تصدعات داخل الحزب تقض مضجع حمدي ولد الرشيد.
ومن بين هذه التصدعات، الانشقاقات التي شهدها البيت الاستقلالي، الذي يحكمه ولد الرشيد بيد من حديد؛ ما جرى بالسمارة، بعد أن فرض حمدي أحد رجالاته بالعيون، ليقود الحزب بالسمارة.