عرف الاله ” جانوس” في الإرث الأسطوري الروماني بوصفه حارسا لبوابة السماء، وهو إله ذو وجهين، وجه يؤدي صوب النعيم وآخر صوب الجحيم. إن ارتداء قناع ” جانوس” يمكنك من أن تلعب على الحبلين في حفل تنكري، والأنكى من ذلك أن بعض الدول اتخذت من ذلك عقيدة دبلوماسية، حيث ازدواجية المواقف، رغم أن الظرفية الجيوسياسية الدولية تغيرت وجرت مياه كثيرة تحت الجسر، لكن الراقص على الحبال يتوجس أن يكون جاره قويا وسيد قراراته، فهو لم يتحرر بعد من التوجس الذي لازمه من أسر التاريخ وعقدة الجغرافيا..!!
حيث مازال ينظر إليه كعدو استراتيجي وجار مزعج رغم اليد الممدودة إليه وهذا حال المغرب مع اسبانيا التي تعد حاليا أكبر شريك تجاري للمغرب في القارة الافريقية، وثاني أكبر شريك في العالم خارج الاتحاد الأوروبي، كما أن المغرب يحمي الحدود الأوروبية من الهجرة غير الشرعية ومافيات تهريب المخدرات كما يجب أن نستحضر جيدا دور المغرب القوي في التعاون الأمني لمحاربة الارهاب والتطرف، والمغرب ملتزم بصدق النوايا وحسن التعاون، إلا أن اسبانيا متوجسة من التحرك المغربي منذ ترسيم المملكة حدودها البحرية كقرار سيادي، وبرز الوجه الحقيقي بشكل جلي بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، هذا الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، أربك حسابات الاسبان وفرض عليهم اعادة ترتيب حساباتهم من جديد لأنهم فقدوا أوراق ضغط كانوا يستعملونها في مفاوضاتهم مع الرباط، مع العلم أن المسؤولية التاريخية لاسبانيا كما كتب” بيدرو كاناليس ” في مقال نشر في المجلة الإسبانية” أتالايار”:” تستدعي اعترافها بسيادة المغرب على أراضي صحرائه والإعلان عن ذلك في تصريح رسمي يؤكد هذه الحقيقة ” .
أما القطرة التي أفاضت الكأس وهي استقبال الجلاد ابراهيم غالي مرتديا قناع” ابن بطوش” في تواطؤ مكشوف مع حكام قصر المرادية، مدعين أن ضميرهم الإنساني والأخلاقي هو الذي جعلهم يستقبلونه من أجل العلاج..!!
ويالغرابة التبرير الذي يدوس على كل القيم الكونية من أجل استقبال مجرم حرب، بل لم تغلق بعد صفحة وزيرة الخارجية الاسبانية السابقة” أرانشا كونزاليس لايا ” والتي جرى عزلها من منصبها بعد ثبوت تورطها في دخول” ابن بطوش” إلى التراب الإسباني وهو الحادث الذي أزم العلاقات بين المملكتين ومازالت تبعاته تلقي بظلالها حتى تم منحها وسام الصليب الأكبر لشارل الثالث بناء على اقتراح من رئيس الوزراء” بيدرو سانشيز” وهو أعلى وسام مدني في اسبانيا يمنح كتعبير عن التقدير للمواطنين الذين من خلال جهودهم ومبادراتهم وعملهم قدموا خدمة اسثتنائية للأمة..
وهذا التوشيح وثان كان قرارا سياديا، إلا أن منحه لوزيرة كان أكبر انجازاتها هو التورط في ادخال” بن بطوش” سرا إلى اسبانيا، يجعلنا نقف عند طبيعة النوايا عند بعض صانعي القرار الاسباني.
ونجد أن المغرب قد أظهر العديد من الإشارات الايجابية تجاه اسبانيا مما جعلنا نترقب انفراجا بين البلدين إلا أن هذا التوشيح يطرح الكثير من التساؤلات حول دوافعه خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تستوجب الاعلان عن حسن النوايا.
ومما زاد في اتساع هوة الأزمة الديبلوماسية بين الجارين حين التقى” بيدرو سانشيز” رئيس الحكومة الاسبانية” ابن بطوش” على هامش القمة الأوروبية الافريقية التي انعقدت مؤخرا وهو اللقاء الوحيد الذي جرى مع هذه الحركة الانفصالية في قمة” بروكسيل” رغم أن القضاء الاسباني مازال يحقق في كيفية ادخال هذا الجلاد إلى التراب الإسباني بوثائق هوية مزورة مما يعتبر مسا بسير التحقيق وإهانة للقضاء الاسباني.
كل هذا حدث في وقت تدعي فيه مدريد أنها تسعى إلى استعادة علاقاتها مع الرباط وفي الوقت الذي يصدر وزير الخارجية الاسباني” خوسيه مانويل ألبريس” بيانات شبه يومية تأييدا لتعزيز العلاقات مع المغرب..!!
لقد وضعت صحيفة” لاراثون” الإسبانية على هامش هذا اللقاء سلسلة من الأسئلة والتي تريد من ورائها تبيان التناقض الصارخ بين تصريحات المسؤولين الاسبان وأفعالهم من قبيل” كيف يمكن التظاهر بالرغبة في بناء علاقة القرن الواحد والعشرين مع المغرب وفي نفس الوقت التعامل مع بقايا الحرب الباردة المتجذرة في القرن العشرين؟ماذا نصدق، اللغة الرنانة لطي صفحة الأزمة، أم هذه الأفعال المخالفة تماما للتصريحات التي يطلقها المسؤولون الإسبان؟”.
إن صناع القرار الاسباني عليهم أن يدركوا جيدا أنه محكوم على البلدين الجارين بالتعاون وحسن الجوار من أجل الأجيال المقبلة، لأن ثمة كثير من الأشياء تربط بينهما خاصة وأن التلاقح الثقافي كبير جدا بين الشعبين مثل أغاني ” الفلامنكو” الرائعة التي ينصهر فيها ثراث الحضارتين، هاته الأغاني التي تصدح عاليا بصدق من الأعماق والتي يرافقها رقص بدون قناع كما أن رقصة ” الفلامنكو” لا تستقيم على الحبال…