قراءة عامة في التقرير السنوي الصادر عن المجلس الاعلى للسلطة القضائية

أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب تقريره السنوي الأول والذي يغطي السنة الأولى من عمله (من 06-04-2017 وهو تاريخ تنصيبه إلى 06-04-2018) ، ونشره بالجريدة الرسمية المغربية بتاريخ 08-11-2018 ، وقد تضمن التقرير مجمل الأنشطة التي قام بها المجلس والاكراهات التي تعيق سير عمله ورؤيته المستقبلية موزعة على أربعة محاور ، تمت عنونتها كما يلي :
- وضع مرجعيات عمل المجلس .
- آراء المجلس الاستشارية .
- تدبير الوضعية المهنية للقضاة .
- الآفاق المستقبلية .
وقبل قراءة بعض مضامين هذا التقرير نقف أولا عند الاطار القانوني له وأهمية وجود مثل هذه التقارير في عمل المؤسسة القضائية الجديدة .
أولا : الاطار القانوني لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية وأهمية وجوده .
فرض القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية على مؤسسة المجلس اعداد تقارير سنوية تتضمن مجمل أنشطة هذه المؤسسة القضائية ورؤيتها المستقبلية لكل ما يهم العدالة والقضاء بشكل عام ، وتم تنظيم هذا الموضوع في المواد 60 و61 و109 من القانون المذكور ، بحيث تدرج المشرع في نشر نتائج أشغال الدورات فور ثم لاحقا رفع الرئيس المنتدب لتقرير إلى الملك عقب انتهاء كل دورة وأخيرا نشر تقريره السنوي بالجريدة الرسمية للعموم المواطنين والمطلعين .
وهكذا نصت المواد المشار ليها اعلاه على ما يلي " :
- المادة 60: ينشر المجلس النتائج النهائية لأشغال كل دورة وفق الكيفية المحددة في نظامه الداخلي.
لا تنشر أسماء القضاة المعنيين بالعقوبات من الدرجتين الأولى والثانية المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة.
- المادة 61: يرفع الرئيس المنتدب إلى الملك تقريرا عاما بشأن نشاط المجلس عند نهاية كل دورة.
- المادة 109: علاوة على التقرير المنصوص عليه في المادة 61 أعلاه، يرفع المجلس للملك تقريرا سنويا حول حصيلة عمله وآفاقه المستقبلية.
تحال نسخة من هذا التقرير إلى رئيس الحكومة قبل نشره بالجريدة الرسمية ".
ويعد اعداد تقرير سنوي ونشره للعموم بالجريدة الرسمية خطوة مهمة وتندرج ضمن الادوار الجديدة التي اتاحها دستور 2011 والقانون التنظيمي للمجلس بتركيبته الجديدة ، إذ لم يسبق لأي مجلس للقضاء مند استقلال المغرب سنة 1956 إلى سنة 2017 أن عمل على اصدار مثل هذه التقارير ، مع أن القانون لم يكن يمنع من ذلك ، وبالتالي لم يعد دور المجلس محصورا في الصلاحيات التقليدية التي هي التقرير في وضعية القضاة الفردية ، من تعيين وتأديب وانتقال وترقية وتقاعد غيرها ، بل تجاوزته إلى صلاحيات أخرى جديدة ، ومنها اصدار تقارير حول وضعية العدالة وإعطاء الآراء في مشاريع القوانين التي تهم العدالة .
وتأتي أهمية اعداد تقرير سنوي من جوانب متعددة ، أهمها :
- الحفاظ على رصيد توثيقي منشور لعمل المجلس ، الشئ الذي تم افتقاده في المجالس السابقة وهو ما من شأنه أن يسهل الامر على الباحثين والمطلعين في الحصول على المعلومة المتربطة بهذا الجانب.
- احترام قواعد التسيير الشفاف لتعلق الامر بمرفق عمومي من خلا ل نشر التقرير واطلاع العموم عليه.
- إن التقرير يعد آلية من آليات الرقابة المجتمعية والمحاسبة على عمل المؤسسة ، فضلا عن آليات الرقابة الرسمية، بحيث إنه بعد نشره سوف يطلع عليه عموم المهتمين وتنظيمات المجتمع المدني – بمن فيهم الجمعيات المهنية القضائية - اعتبارا لدور هذه الأخيرة في تقييم السياسات العمومية وفق لنص الفصل 12 من الدستور .

ثانيا : أهم مضامين التقرير السنوي الاول للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
جاء تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية الأول من الناحية الشكلية مقتضبا جدا ، مخالفا بذلك ما جرت عليه تقارير مؤسسات مشابهة من حيث الحجم ، اذ صدر التقرير في 15 صحفة من صفحات الجريدة الرسمية ، وطبعا لا يعد ذلك اشكالا أو تنقيصا منه ما دام أنه مرتبط أولا بالتقرير الأول وبعدد الدورات التي اشتغلت فيها المؤسسة وبحجم القضايا المعروضة عليها في جميع الجوانب .
ومن حيث المضمون فإنه غطى كل أنشطته التي تدخل في اختصاصاته ، ويمكن ابراز أهم الملاحظات – الايجابية كما السلبية من وجهة نظرنا – كما يلي :
- أبان المجلس عن جهد كبير فيما يخص وضع الجانب الهيكلي لاشتغال المؤسسة خلال فترة قصيرة من عمره (وضع النظام الداخلي ونظام موظفي المجلس وتعيين رؤساء الأقطاب ومختلف المصالح الأخرى ..وغير ذلك ).
- قدم المجلس عمل احصائي مهم في تدبير وضعية القضاة ، ومع ان النتائج سبق نشرها ولكنه يبقى عملا تجميعيا مهما ، كما أنه يقدم بعض التفصيلات لم تكن معروفة ( من قبيل أنه من اصل 88 بحث للمفتشية العامة تم تعيين المقرر لمباشرة المسطرة التأديبية في حق 41 قاض فقط أي أكثر من النصف تم حفظه لأنها لا تستحق اكمال المتابعة وفق التقرير ) .
- أعلن المجلس أنه قدم تسعة آراء استشارية لعدة جهات ، منها المجلس الوطني لحقوق الانسان والوسيط ووزارة العدل ، ولكن هذه الآراء لم تنشر ولا نعرف تفاصيلها ، ومن المهم نشرها كذلك رفقة التقرير ليتم الاطلاع عليها وتقييمها أو الاستفادة منها.
- المجلس كان قويا في طرحه لبعض القضايا ، ومنها في قضية علاقته بوزارة العدل وإبراز الاكراهات التي تواجه عمله الإداري والمادي ( مقر المجلس ونقص العنصر البشري ...)، ومطالبه بإشراكه في التوظيفات التي تهم المحاكم وتوفير ميزانيات فرعية خاصة بها والاشراف على التكوين بالمعهد ، بل ومطالبته بتعديل القانون التنظيمي بخصوص بعض هذه النقاط .
- الإعلان عن اعداد ميثاق يؤطر عمل أعضاء المجلس لمهامهم وهي خطوة مهمة جدا إذا ما تم تنزيلها فعليا على أرض الواقع .
- ثم الإعلان عن برنامج تواصلي مؤسساتي مع القضاة ومساعدي القضاء من خلال هياكلهم.
- طلية التقرير لم تتم الإشارة إلى دور الجمعيات المهنية القضائية (باستثناء إشارة وحيدة منصوص عليها قانونا وهي استطلاع رأيها بخصوص مدونة السلوك..)، مع العلم ان الجمعيات المهنية كان ينبغي ان يكون لها حضور أكبر في هذا التقرير السنوي، لأنها جزء من المشهد القضائي الحالي بقوة الدستور ، ولأنه يجب اعتبارها من طرف المجلس كشريك أساسي وقوة اقتراحية مهمة ويمكن ان تعلب دورا كبير في التطوير من خلال نافذة الشراكة مع المؤسسات ، ونتمنى أن يكون الأمر فقط مرتبط بالبداية.
- يكتفي التقرير أحيانا بالسرد دون بيان كيف تم التوصل لاتخاذ بعض القرارات التي ، (من قبيل تعيين قضاة ببعض المؤسسات التي نص القانون على عضوية القضاة بها ..).
- قدم التقرير معلومة مفادها ان مدونة السلوك بلغت مراحلها الأخيرة ، وطبعا هو أمر نسمعه لأول مرة ، لان القضاة أو الجمعيات لم يتم اشراكها في النقاش بخصوصها ، بل فقط تمت مراسلتها للإدلاء برأيها دون نقاش حولها مواكبة اعدادها ، ونتمنى كذلك من المجلس أن يعيد النظر في الامر ، حتى تكون وثيقة للسلوك القضائي نابعة من القضاة أنفسهم وفق ما هو معمول به ي اعداد مثل هذه المدونات وطنيا ودوليا .
- اقترح المجلس تعديلات تهم القانونين التنظيمين المتعلقين بالنظام الأساسي للقضاة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية في مجال مسطرة التأديب ، واسناد المسؤولية القضائية ، وبغض النظر عن مضمون رأي المجلس ،فإن أي تعديل الآن هو سابق لآوانه لانعدام التراكم العملي ، وثانيا لانعدام استطلاع الآراء بخصوص الموضوع لأنه موضوع يهم أيضا كافة القضاة والجمعيات المهنية والحقوقية التي قدمت مذكرتها في هذه القوانين ، وبالتالي كان من الأفضل ترك الامر لمرور بعض الوقت والقيام باستشارات في الموضوع عن طريق ورشات او ندوات أو غيرهما و استطلاع رأي الجمعيات المهنية في الموضوع .
- فيما يتعلق بالوضعية الاجتماعية والمادية للقضاة ، كان للمجلس موقف منها وقدم بعض المطالب أو تصوره بخصوصها ، ولكن ينبغي في السنوات القادمة ايلاءها أهمية وحيز اكبر في التقرير ، سيما فيما تعلق بظروف الاشتغال بالمحاكم وقلة القضاة والجانب المادي- أي تحسين الأجرة وليس فقط الترقية كما أشار تقرير المجلس – ومسألة التعويضات عن المهام الاضافية والوضعية الصحية المتفاقمة ، ومع أن المجلس لا اختصاص قانوني له في هذه الجوانب ولكنه يصدر توصيات بشأنها وفق القانون المنظم لعمله وطبعا ستكون لها قوة كبيرة عند المؤسسات التنفيذية للدولة .
لكن ، عموما يبقى هذا التقرير السنوي الأول الذي اعده المجلس الأعلى للسلطة القضائية خطوة مهمة في اتجاه مأسسة عمل المجلس وانفتاحه على الاعلام وكافة المتتبعين للشأن القضائي وينبغي دعمه باتجاه تطويره.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.