يشكّل تقرير “أبيكس 2025” الصادر عن مؤسسة “ستارت أب جينوم” مرجعًا دوليًا في تقييم فعالية الأنظمة البيئية الوطنية في دعم ريادة الأعمال، وذلك عبر منهجية تبتعد عن المقارنات الكلاسيكية القائمة على الحجم الاقتصادي أو الثروة، وتعتمد بدلًا من ذلك على تطبيع المؤشرات مع عدد السكان والناتج الداخلي الخام، مما يمنح الدول النامية فرصة للظهور إن كانت سياساتها فعالة. فيما تصدرت سنغافورة الترتيب العالمي للتقرير، تليها كل من الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، ثم إستونيا والمملكة المتحدة، بينما حافظت اقتصادات مثل الهند والصين والسويد وكندا وسويسرا على حضورها ضمن العشر الأوائل، وعلى المستوى الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، احتلت إسرائيل المرتبة الأولى، تلتها الإمارات ومصر والبحرين والسعودية، في حين تم إدراج المغرب ضمن مجموعة دول تراوحت بين المرتبتين 21 و36، دون تقديم تفاصيل دقيقة بشأن مركزه. ويبرز التقرير أن النظم البيئية للشركات الناشئة باتت اليوم هي المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي، في ظل تراجع دور النماذج التقليدية المرتكزة على البحث الجامعي والصناعي، وتحول كبريات الشركات نحو شراء التكنولوجيا لتقليص العمالة بدلاً من توسيعها، ويؤكد معدو التقرير أن المرحلة الثالثة من موجات النمو المتسارع باتت تتمحور حول الذكاء الاصطناعي، بعد الحوسبة والشبكات، محذرين من أن 90 في المائة من الوظائف المرتبطة بهذا المجال قد تتركز مستقبلاً في الولايات المتحدة والصين، ما لم تسارع باقي الدول إلى الاستثمار الفعلي في هذا القطاع. وفي هذا السياق، اعتبر خبير الأمن السيبراني المغربي حسن خرجوج، في تصريح خصّ به “بلبريس”، أن التقرير يُعد بمثابة ناقوس خطر على مستوى السيادة الرقمية للمغرب، موضحًا أن الحديث عن الذكاء الاصطناعي كموجة ثالثة لا يعني فقط تطوير أدوات ذكية جديدة، بل الإشارة إلى قطيعة مع النماذج الحالية مثل شات جي بي تي وGemini، والدخول في حقبة جديدة تُعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي. وأضاف خرجوج أن احتكار الصين وأمريكا لـ90 في المائة من وظائف الذكاء الاصطناعي لا يعني أن الـ10 في المائة المتبقية خارج التنافس، بل إنها موضع صراع حقيقي بين عدد من الدول الطموحة، وهو ما يُلزم المغرب بمراجعة موقعه واستراتيجيته. ورأى خرجوج أن غياب استراتيجية سيبرانية متكاملة في المغرب من شأنه أن يهدد السيادة الرقمية للبلاد، لأن هذه الأخيرة “لا تعني تعديل موقع أو استخدام أدوات ذكية أجنبية، بل تعني امتلاك الخوارزميات الخاصة، والتحكم في البيانات الوطنية، وضمان بنية معلوماتية مستقلة، إلى جانب تنظيم قطاع الذكاء الاصطناعي بقوانين وطنية محكمة”. وأشار الخبير إلى أن التقرير يجب أن يُقرأ بعيون استشرافية من قبل الجهات المسؤولة، لا سيما في علاقته بمبادرة “ماروك ديجيتال 2030”، إذ يُظهر مكامن خلل جوهرية في التمويل والبنية والبرامج، مسجلا أن تمويلات الحاضنات الوطنية تبقى محدودة، في وقت يفضل فيه الشباب اللجوء إلى حاضنات أوروبية أو أمريكية عبر الإنترنت بسبب التعقيدات البيروقراطية، مشددًا على أن الابتكار لا يمكن أن يُزهر دون تجاوز هذه الحواجز، ودون توفير دعم مستمر يشمل حتى التجارب الفاشلة، لأنها تشكل أساس التقدم في هذا المجال.
وقد أدرج التقرير المغرب ضمن قائمة الدول التي شملها التقييم، دون أن يحدد مرتبته بدقة، ما يعكس محدودية تأثير السياسات الوطنية في تحفيز الابتكار وريادة الأعمال مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
وسجّل أن جهود المملكة “موجودة لكنها ضعيفة”، خصوصًا عند مقارنتها بدول عربية كالإمارات والسعودية، اللتين استطاعتا دخول التصنيف بقوة بفضل وضوح الرؤية وجرأة الاستثمار.
كماوأكد أن الوضع الحالي يجعل من المغرب زبونًا لتقنيات أجنبية أكثر من كونه فاعلاً أو منتجًا، وهو ما قد يؤدي، إذا لم يتم تداركه، إلى فقدان السيطرة على جزء من السيادة الرقمية مستقبلاً.
خبير: تقرير “أبيكس 2025” ناقوس خطر لسيادة المغرب الرقمية
