شهدت الساحة التشريعية المغربية مؤخرًا حراكا هاما تمثل في مراجعة شاملة لمدونة الأسرة، وهو قانون أساسي ينظم العلاقات الأسرية في المملكة.
هذه المراجعة، التي تمت بتوجيهات ملكية سامية، تأتي استجابة للتطورات المجتمعية والدعوات المطالبة بتعزيز حقوق المرأة والطفل، وتجاوز بعض النقائص التي ظهرت في التطبيق العملي للمدونة.
وقد قدم وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عرضا تفصيليًا لأهم التعديلات المقترحة، كاشفًا عن تحولات جوهرية تعكس التزام المغرب بمبادئ المساواة والعدالة و هي تعديلات جوهرية تلامس مختلف جوانب الحياة الأسرية:
تتضمن التعديلات المقترحة تغييرات جذرية في عدة جوانب من مدونة الأسرة، تشمل:
أولاً: الزواج: سعيًا لتوثيق الزواج وحماية حقوق الطرفين، سيتم اعتماد عقد الزواج كوثيقة أساسية لإثبات الزوجية، مع تحديد حالات استثنائية لسماع دعوى الزوجية. كما سيتم تعزيز ضمانات زواج الأشخاص في وضعية إعاقة. وللمغاربة المقيمين بالخارج، ستتاح إمكانية عقد الزواج دون اشتراط حضور الشهود المسلمين في حال تعذر ذلك.
ثانياً: أهلية الزواج: تم تحديد سن أهلية الزواج في 18 سنة شمسية كاملة، مع استثناء يمكن فيه تزويج القاصر عند بلوغ 17 سنة، وفق شروط وضوابط صارمة تضمن عدم تحول الاستثناء إلى قاعدة.
ثالثاً: التعدد: في خطوة جديدة ، سيتم تقييد التعدد بشكل كبير. سيُصبح إلزامًا على الزوج استطلاع رأي الزوجة الأولى حول اشتراط عدم التزوج عليها، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج. وفي حال اشترطت الزوجة عدم التعدد، لا يحق للزوج التعدد. أما إذا لم تشترط ذلك، فإن "المبرر الموضوعي الاستثنائي" للتعدد سيقتصر على حالات محددة كالعقم أو المرض المانع من المعاشرة، أو حالات أخرى يقررها القاضي بمعايير قانونية موضوعية واستثنائية.
رابعا: الطلاق: سعيًا لتخفيف وطأة الطلاق على الأسرة، سيتم إنشاء هيئة غير قضائية للصلح والوساطة، مهمتها الأساسية محاولة الإصلاح بين الزوجين قبل اللجوء إلى القضاء. وسيصبح الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين دون الحاجة لإجراءات قضائية معقدة. كما سيتم تحديد سقف زمني أقصاه ستة أشهر للبت في دعاوى الطلاق والتطليق.
خامسا: الحقوق المالية: سيتم تأطير جديد لكيفية تدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع الاعتراف بعمل الزوجة داخل المنزل كمساهمة في تنمية هذه الأموال.
سادسا: الحضانة: سيتم اعتماد الحضانة كحق مشترك بين الزوجين، مع إمكانية استمرارها بعد الطلاق إذا اتفق الطرفان على ذلك. كما سيتم تعزيز حق المحضون في السكن، ووضع ضوابط جديدة لزيارته والسفر به. وإضافة إلى ذلك، لن تفقد الأم المطلقة حقها في حضانة أبنائها بمجرد زواجها.
سابعا: النفقة: سيتم وضع معايير مرجعية وقيمية لتقدير النفقة، وتفعيل آليات لتسريع إجراءات تبليغ وتنفيذ أحكام النفقة.
ثامنا: الولاية القانونية: ستكون "النيابة القانونية" مشتركة بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها. وفي حال الخلاف، سيتم الرجوع إلى قاضي الأسرة لحسم الأمر.
تاسعا: حماية القاصر: سيتم وضع إجراءات قانونية لترشيد القاصر، وتعزيز الحماية القانونية لأمواله، وفرض الرقابة القضائية على تصرفات وليه أو وصيه.
عاشرا: حق السكن: سيحق للزوج أو الزوجة الاحتفاظ ببيت الزوجية في حال وفاة الطرف الآخر، وفق شروط يحددها القانون.
حادي عشر: الإرث: سيتم تفعيل مقترح المجلس العلمي الأعلى بإمكانية هبة الوالد قيد حياته ما يشاء من أمواله لبناته، مع اعتبار الحيازة الحكمية بمثابة الحيازة الفعلية. وفتح إمكانية الوصية والهبة بين الزوجين في حال اختلاف الدين.
مقترحات موازية لمواكبة الإصلاح:
لم يقتصر التغيير على مواد المدونة نفسها، بل امتد ليشمل مقترحات ذات صبغة عامة تهدف إلى مواكبة هذا الإصلاح، وتشمل:
توفير الموارد البشرية المؤهلة والمختصة في قضايا الأسرة.
مراجعة مساطر وإجراءات قضايا الأسرة، ووضع دليل عملي للمدونة.
تسهيل الولوج إلى القضاء الأسري عبر إحداث "شباك موحد".
تأهيل المقبلين على الزواج وتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم.
دراسة إمكانية إحداث سجل وطني لعقود الزواج والطلاق.
نحو مدونة أسرة أكثر عدالة وملاءمة للمجتمع المغربي:
تمثل هذه التعديلات نقلة نوعية في مسار تحديث المنظومة القانونية المغربية، وتعكس رغبة حقيقية في تحقيق المساواة والتوازن الأسري، وحماية حقوق المرأة والطفل، بما يتماشى مع مبادئ الدين الإسلامي السمحة وتطورات العصر.
ومع ذلك، فإن المرحلة القادمة ستشهد مناقشة هذه المقترحات في البرلمان، حيث يُنتظر أن تترجم هذه الإصلاحات إلى قوانين تخدم مصالح المجتمع وتؤسس لأسرة مغربية قوية ومتماسكة.