شكل خطاب نزار بركة بمناسبة تخليد الذكرى 81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال يوم السبت 11 يناير 2025 بمدينة الدار البيضاء الحدث البارز ، لانه كان خطاب حسم وجرأة ونقد ذاتي وابتعاد عن لغة الخشب والمخاتلة، خطاب متميز في بنيته التشكيلية، وفي مضمونه ، وفي دلالاته ،وسائله .
شكل الخطاب:
تميزت بنية الخطاب الشكلية بمعجم قوته الأساسية انه معجم لا علاقة له بلغة الخشب والبوليميك والرمادية والتكتيك ، معجم مشكل من مفاهيم وكلمات واضحة تسمي الأشياء بأسمائها بكل مسؤولية وحسم في مشهد سياسي تهيمن عليه الرداءة والتفاهة واللغة الساقطة .
نزار بركة امتلك الشجاعة الفكرية ، والاناقة اللغوية ليضع النقط على الحروف بلغة مسؤولة وجريئة صريحة وصادقة تعكس واقعا اجتماعيا واقتصاديا صعبا لا يمكن التغاضي عنه .واقع ينذر بكثير من المخاطر إذا لم يتم التعامل معه بخطاب واقعي وبحكامة مسؤولة وبجرأة سياسية ، واقع اجتماعي و يجسد عدة مؤشرات تتناقض وشعار الدولة الاجتماعية الذي تردده ا
لحكومة ،والتي يكون حزب الاستقلال احد مكوناتها الأساسية.خطاب نزار بركة ارتبط بشروط انتاجه ،وهي مناسبة إحياء ذكرى تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال يوم 11 يناير 1944، إحدى المحطات المُشرقة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وتحقيق الوحدة والسيادة الوطنية.
مضامين خطاب بركة:
مضامين الخطاب الذي قدمه الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة متعددة تربط الماضي بالحاضر ، لذلك استحضر تاريخ النضال الوطني في سبيل استقلال المغرب وحرية شعبه. في مقدمته ذكرى تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، وهي لحظة تاريخية مفصلية باعتبارها علامة فارقة في مسار المغرب نحو الاستقلال، هذا المسار الذي لعب فيه الشباب الدور المحوري،وهذا ما يفسر اختيار . شعارا لهذا المهرجان الخطابي .عندما نتحدث عن كون خطاب بركة يعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي، فمن الضروري أن نأخذ في اعتبارنا أن هذا الخطاب الذي تأثر بشكل كبير بالنقد الذاتي الذي يميز المدرسة الاستقلالية
. الخطاب الذي يعبر عن "الشباب اليائس"، و"الطبقة المتوسطة المسحوقة"، و"البطالة المرتفعة"، لا يمكن فصله عن حالة الاحباط التي يعايشها المواطن، خصوصًا عندما تتناقض هذه التصورات مع التصريحات الحكومية التي تروج لتحسن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.
الخطاب الذي ألقاه نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، في ذكرى تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال، يعكس قلقًا عميقًا بشأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في المغرب، ويطرح تحديات حقيقية تواجه مختلف شرائح المجتمع، وخاصة الشباب والطبقة الوسطى. من خلال قراءة هذا الخطاب، يمكننا ملاحظة عدة محاور أساسية تجسد موقفًا نقديًا وواقعيًا تجاه الأوضاع الراهنة.
- التركيز على مشاكل البطالة وضعف الفرص
يشير بركة إلى أن البطالة في صفوف الشباب تصل إلى معدلات مرتفعة للغاية، حيث تبلغ 39.5% بين الشباب، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا للمستقبل. في هذا الإطار، يمكن فهم كيف تعكس هذه الأرقام حالة من اليأس والإحباط لدى الجيل الجديد، ما ينعكس سلبًا على التنمية الاجتماعية والسياسية في البلاد. كما أن معاناة الشباب في ظل هذه الظروف قد تؤدي إلى فقدان الثقة في المؤسسات والحكومة، وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي
- الطبقة الوسطى في خطر
يناقش بركة بشكل واضح التدهور الذي شهدته الطبقة الوسطى في المغرب، التي كانت تمثل في وقت ما المحرك الرئيس للاقتصاد المحلي، والتي تضررت بشدة من ارتفاع تكاليف الحياة والركود الاقتصادي. يشير إلى أن هذه الطبقة قد "تم سحقها"، وهو تعبير قوي يعكس فقدانها القدرة على تلبية احتياجاتها الأساسية بسبب الفوارق الاجتماعية المتزايدة، وارتفاع الأسعار، وكذلك الانخفاض الكبير في دخل الأسر.
التناقض بين الواقع والترويج الحكومي
واحدة من أبرز النقاط في خطاب بركة هي نقد الحكومة بسبب إصرارها على تقديم مؤشرات اقتصادية واجتماعية "إيجابية" تتناقض مع الواقع الذي يعيشه المواطنون. بركة يعبر عن استياءه من أن الحكومة تروج لمعدلات نمو مرتفعة في حين أن غالبية المواطنين لا يشعرون بهذه التحسنات في حياتهم اليومية. هذا التناقض يعكس أزمة ثقة بين المواطنين والحكومة.
-أزمة الشباب والابتكار
بركة يعترف بأن التحديات التي يواجهها الشباب في العصر الحالي، بما في ذلك العولمة والتقدم التكنولوجي السريع، تتطلب تكيُّفًا مع التغيرات الكبرى في سوق العمل. مع التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، قد يتم إلغاء الكثير من الوظائف التقليدية، مما يزيد من الضغط على الشباب. في هذه النقطة، يدعو بركة إلى ضرورة تقديم فرص تعليمية وتأهيلية وتدريبية للشباب، حتى يتمكنوا من التكيف مع التغيرات المستقبلية.
-الدعوة إلى "عقد اجتماعي متقدم" مع الشباب
يظهر الخطاب دعوة صريحة للتفاعل مع الشباب بشكل أكثر جدية، عبر عقد اجتماعي جديد يضمن لهم فرصًا متساوية للمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية. بركة يرى أن الشباب يجب أن يكونوا جزءًا أساسيًا من عملية اتخاذ القرار السياسي، وأن إهمالهم قد يؤدي إلى إضعاف المشهد الديمقراطي في المغرب.
- إحياء روح الاستقلال
في نهاية الخطاب، يتوجه بركة إلى ضرورة إحياء نفس الروح التي كانت موجودة في حركة الاستقلال، بحيث يتم توجيه الشباب للعمل من أجل تحقيق تطلعاتهم الشخصية والاجتماعية ضمن إطار مشروع وطني شامل. يتحدث عن الشباب كمحرك رئيسي للتغيير، ويحث على ضرورة منحهم الفرص لتحقيق ذاتهم في إطار بناء المجتمع.
في الختام، الخطاب يعد بمثابة دعوة لتصحيح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، وتحقيق التوازن بين ما تُقدمه الحكومة من إنجازات وبين ما يعيشه المواطنون في حياتهم اليومية. كما يعكس الخطاب رؤية نقدية تشجع على التفكير في مستقبل الشباب، وتدعو إلى تبني سياسات جديدة قادرة على تلبية احتياجاتهم وتحدياتهم.
وبحس نقدي ينبع من ثقافة النقد الذاتي لحزب الاستقلال دق نزار بركة ناقوس الخطر، انطلاقا من تقييم شجاع حاسم للوضع الاجتماعي والاقتصادي حاول بركة من خلاله تسليط الضوء على عيوب الحكامة والتدبير.