في خطوة غير مسبوقة على مستوى التعاون الدفاعي بين المغرب والولايات المتحدة، كشفت وثيقة أمريكية رسمية اطلعت "بلبريس" عليها، صادرة في السجل الفيدرالي بتاريخ 29 أبريل 2025، أن المغرب بات ضمن الدول المستفيدة من عملية نقل تكنولوجيا استراتيجية في مجال الطيران العسكري، وذلك من خلال تصدير معدات وبيانات تقنية وخدمات دفاعية متخصصة، بقيمة تتجاوز 50 مليون دولار أمريكي.
وتندرج العملية في إطار قانون مراقبة تصدير الأسلحة الأمريكي، وتهم منح تراخيص لتصنيع مكونات الطائرات المقاتلة ومعداتها في الخارج. وتشمل قائمة الدول المستفيدة إلى جانب المغرب كلا من إيطاليا وكوريا الجنوبية وتركيا والإمارات العربية المتحدة، ما يضع المملكة ضمن شبكة استراتيجية تضم شركاء إقليميين ودوليين للولايات المتحدة في المجال الدفاعي.
وأكد الإشعار الذي وقعه فيليب ج. لايدلو، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون التشريعية، استعداد الإدارة الأمريكية لمنح التراخيص المرتبطة بهذه الصفقة، بعد دراسة مستفيضة للاعتبارات السياسية والعسكرية والاقتصادية، إضافة إلى قضايا حقوق الإنسان. ووفق ما جاء في الوثيقة، فإن بعض المعلومات التقنية المرتبطة بالصفقة تظل غير مصنفة لكنها سرية من حيث الطبيعة التجارية، نظرا لإمكانية إلحاق ضرر بالمصالح التنافسية للشركات الأمريكية المتورطة في التصنيع.
ويمنح هذا التطور المغرب إمكانية تصنيع أجزاء من الطائرات العسكرية على ترابه الوطني، إلى جانب تلقي خدمات دعم فني وهندسي متصلة بهذه المكونات.
ويشكل ذلك قفزة نوعية في مسار الصناعات الدفاعية بالمملكة، بالنظر إلى محدودية تجاربها السابقة في هذا المجال، واعتمادها في العقود الماضية على الاستيراد أكثر من التصنيع أو الشراكة الإنتاجية.
وتعزز هذه الخطوة الحضور المتنامي للمغرب في سلاسل التوريد الدفاعي الغربي، خاصة بعد توقيع اتفاقية التعاون العسكري العشري مع الولايات المتحدة سنة 2020، والتي مهّدت لتوسيع نطاق الشراكة نحو مجالات أكثر حساسية وتقدما.
وفيما لم تكشف الوثيقة الأمريكية عن نوع الطائرات المرتبطة بهذه الصفقة، يرجح تقرير صادر عن المرصد الأطلسي للدفاع والتسليح أن الأمر قد يتعلق بطائرات F-16 التي سبق للمغرب أن اقتناها وطور بعضها، كما لم يستبعد التقرير أن تكون العملية مرتبطة بصفقات مستقبلية تهم طائرات بدون طيار متطورة أو حتى الطائرة الشبحية F-35.
ويُقرأ هذا الترخيص أيضًا في سياق تنافسي إقليمي، إذ يأتي في وقت يتسارع فيه سباق التسلح بشمال إفريقيا، وخاصة بين المغرب والجزائر، ما يمنح الخطوة الأمريكية بعدًا استراتيجيا يندرج ضمن سياسات الردع وبناء التوازنات الجديدة. كما يعزز ذلك من رهانات المغرب على تحقيق الاكتفاء الصناعي في المجالات السيادية، وولوج نادي الدول المنتجة للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة.
وإذا كانت هذه الخطوة تؤشر إلى ارتفاع مستوى الثقة بين واشنطن والرباط، فإنها في المقابل تطرح تحديات جديدة على المملكة، تتعلق بمدى جاهزيتها القانونية والتقنية لتأمين البيانات، وحماية التكنولوجيا المنقولة، وضمان استمرار التوازن بين الشراكة الدفاعية ومقتضيات السيادة الوطنية. ففي نهاية المطاف، لا تقتصر رهانات هذه الخطوة على الصناعة فقط، بل تمتد إلى إعادة رسم تموقع المغرب ضمن خرائط النفوذ العسكري والتكنولوجي على الصعيد الإقليمي والدولي.