لم يكن الهجوم الإعلامي الذي قادته صحيفة “لا باتري” الجزائرية في نسختها الفرنسية، ضد نواكشوط سوى الحلقة الأحدث في مسلسل القلق الجزائري المتصاعد، وهو يكشف عن تحول استراتيجي في أدوات المواجهة، بالانتقال من دبلوماسية الكواليس إلى الاستهداف المباشر عبر منابر إعلامية موجهة.
إن اللجوء إلى منبر ناطق بالفرنسية لم يكن مصادفة، بل هو محاولة للتأثير في النخب، وتوجيه رسالة لنواكشوط التي نجحت حتى الآن في الإبحار بحيادها الإيجابي بعيد عن سياسة المحاور.
قراءة متأنية للاتهامات الجزائرية تكشف أن المشاريع التي صورتها الجزائر كتهديد، مثل المعبر الحدودي والبنية التحتية المشتركة، هي في الواقع تجسيد لمنطق التكامل الاقتصادي والسيادة الوطنية.
إنه منطق يرتكز على المصالح المشتركة والتنمية، ويقف على النقيض تماما من منطق الصراع الذي تسعى الجزائر لترسيخه كواقع وحيد في المنطقة، وهو ما يفسر حالة الانزعاج من أي تقارب لا يمر عبر بوابتها.
في جوهر هذا التصعيد، الهدف الحقيقي ليس موريتانيا بحد ذاتها، بل هو الشراكة الاستراتيجية المغربية الموريتانية التي تعتبرها الجزائر تحد مباشر لنفوذها واستراتيجيتها تجاه ملف الصحراء.
هذا الهجوم هو بمثابة اعتراف ضمني بفشل الجزائر في احتواء هذه العلاقة أو ثني نواكشوط عن مسارها، فلم يبق أمامها سوى اللجوء إلى ورقة الإعلام في محاولة لتشويه صورة هذا التقارب.
ويرى مراقبون ان هذه الحملة الاعلامية في المحصلة هي محاولة يائسة لجر موريتانيا الى مربع الاستقطاب الذي ظلت تتجنبه بحكمة وبراغماتية.
فبدلا من ان تجبر نواكشوط على اختيار معسكرها قد تؤدي هذه الاستراتيجية الى نتيجة عكسية وهي تعزيز قناعة موريتانيا بضرورة الابتعاد اكثر عن المحور الجزائري الذي اثبت انه لا يحترم قراراتها السيادية وينظر الى شراكاتها التنموية بعين الريبة والتهديد.