المحكمة الدستورية تسقط موادا جوهرية من مشروع قانون المسطرة المدنية

أسقطت المحكمة الدستورية عددا من المواد والمقتضيات الجوهرية في قانون المسطرة المدنية الجديد، وهو القانون الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط الحقوقية والقانونية، معتبرة إياها غير مطابقة للدستور وتمس بمبادئ أساسية كاستقلال السلطة القضائية وحقوق الدفاع والأمن القضائي.

جاء قرار المحكمة الذي  وُصف بالضربة الموجعة، بعد إحالة القانون من قبل رئيس مجلس النواب، حيث قضى بعدم دستورية مقتضيات محورية تتعلق بصلاحيات وزير العدل، ورقمنة الإجراءات، وحقوق المتقاضين، مما يعيد المشروع إلى البرلمان لتصحيح الاختلالات الدستورية التي اعترته.

كانت أبرز المواد التي أبطلتها المحكمة تلك التي تمس بشكل مباشر بمبدأ فصل السلط واستقلال القضاء. وفي هذا الإطار، أبطلت المحكمة الفقرتين الأوليين من المادتين 408 و410 اللتين تخولان لوزير العدل، وهو عضو في السلطة التنفيذية، حق تقديم طلبات الإحالة إلى محكمة النقض من أجل “تجاوز القضاة لسلطاتهم” أو “التشكك المشروع”، معتبرة أن هذا الإجراء يعد مخالفة صريحة للدستور وتدخلا في صميم العمل القضائي. وبنفس المنطق، تم إسقاط الفقرات المتعلقة برقمنة القضاء في المادتين 624 و628، والتي كانت تمنح لوزارة العدل صلاحية تدبير النظام المعلوماتي للقضاء ومسك قاعدة بياناته، حيث شددت المحكمة على أن توزيع القضايا على القضاة وتعيين المقررين فيها هو “عمل ذو طبيعة قضائية” لا يجوز أن تدبره جهة من خارج السلطة القضائية.

كما تدخلت المحكمة لحماية حقوق المتقاضين والأمن القانوني، حيث أبطلت المادة 17 التي كانت تسمح للنيابة العامة بطلب إبطال مقرر قضائي نهائي لمخالفته “النظام العام” بشكل فضفاض يمنح سلطة تقديرية واسعة ويمس بحجية الأحكام.

وفي نفس السياق، تم إسقاط المقطع الأخير من المادة 84 الذي كان يجيز تسليم الاستدعاء بناء على “الشك والتخمين” كتقدير المكلف بالتبليغ لسن الشخص أو مجرد تصريحه بأنه وكيل، وهو ما يخل بحقوق الدفاع.

كما رُفضت الفقرة الأخيرة من المادة 90 المتعلقة بالجلسات عن بعد، لكونها لم تحدد الشروط والضمانات الكافية لحماية المتقاضين.

ولضمان حق الدفاع ومبدأ التواجهية، ألغت المحكمة الفقرتين الأخيرتين من المادتين 107 و364 اللتين تمنعان الأطراف من التعقيب على مستنتجات المفوض الملكي، معتبرة ذلك قيدا غير مبرر.

كما تم إسقاط الفقرة الثانية من المادة 339 لأنها كانت تعفي، بمفهوم المخالفة، قرار الاستجابة لطلب تجريح القاضي من التعليل، وهو ما يخالف الدستور الذي يوجب تعليل جميع الأحكام دون استثناء.

وبهذا القرار ، تكون المحكمة الدستورية قد أعادت التأكيد على دورها كحارس للمبادئ الدستورية، وألزمت المشرع بإعادة النظر في عدد من المقتضيات الأساسية لضمان توافق القانون مع الدستور.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *