بنكيران وهجومه على النقابات.. حملة انتخابية مبكرة أم صراع على البقاء؟

لم يكن مرور فاتح ماي 2025 عاديًا، فقد اختار الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران ، هذه المناسبة العمالية بامتياز ليفتح نيران مدفعيته الثقيلة، ليس على الحكومة أو أرباب العمل كما قد يتوقع البعض، بل على المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، واصفًا إياها بـ"المرتزقة" التي "تبيع وتشتري" في الطبقة العاملة، ومقدمًا نقابة حزبه (الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب - UNTM) باعتبارها المدافع الوحيد والأوحد عن العمال والمقاولة معا.

هذه الخرجة النارية من الدار البيضاء تثير تساؤلات عميقة حول توقيتها ودوافعها، وتجعلها تبدو أقرب إلى حملة انتخابية سابقة لأوانها منها إلى خطاب نقابي تقليدي بمناسبة عيد الشغل. فلماذا هذا الهجوم الكاسح على النقابات الآن؟ ولماذا هذا الاستغلال لمنصة فاتح ماي؟

1. الشعور بالتهميش والإقصاء:


يأتي خطاب بنكيران بعد أيام قليلة من الإعلان عن مخرجات جولة أبريل للحوار الاجتماعي، والتي تمت بين الحكومة والمركزيات النقابية "التاريخية" (UMT, CDT, UGTM) والاتحاد العام لمقاولات المغرب. هذا الحوار، الذي أفضى إلى اتفاقات حول زيادات في الأجور وتحسينات أخرى، شهد تهميشًا واضحًا لنقابة "العدالة والتنمية".

هجوم بنكيران يمكن تفسيره كرد فعل غاضب على هذا الإقصاء، ومحاولة لتقويض شرعية الاتفاق والمشاركين فيه، وتقديم نفسه ونقابته كبديل حقيقي ومناضل لم يتم "شراؤه" أو "تدجينه".

2. إعادة بناء القاعدة ومحاولة استعادة النفوذ:


يعيش حزب العدالة والتنمية مرحلة صعبة بعد الهزيمة الانتخابية الكبيرة في 2021 وفقدانه لزمام الحكومة التي قادها لعقد من الزمن.، ويحتاج الحزب، وبنكيران على رأسه، إلى إعادة تعبئة قواعده واستقطاب فئات جديدة، خاصة من الطبقة العاملة والمتأثرين بالوضع الاقتصادي.

الهجوم على النقابات "التقليدية" وتصويرها كجزء من "الحكومة" أو ككيانات "باعت" مصالح العمال، يهدف إلى تقديم الـUNTM والـPJD كصوت معارض نقي ومختلف، قادر على الدفاع الحقيقي عن المستضعفين، وهو خطاب يتقاطع مع الخطاب الشعبوي الذي يجيده بنكيران.

3. حملة انتخابية مبكرة:
يبدو توقيت الخطاب ومضمونه وكأنه إطلاق مبكر لحملة انتخابية. فاستغلال تجمع عمالي للهجوم على المنافسين السياسيين والنقابيين، ودعوة العمال صراحة للانضمام لنقابة حزبه ("أجيو للإتحاد الوطني للشغل...")، وتصوير نفسه كمنقذ يقف في وجه "المنكر" حتى لو كان من الدولة (مع بعض التحفظ الواقعي: "أنا غير عبد الإله بنكيران")، كلها تكتيكات انتخابية بامتياز. هو يسعى لإعادة حزبه ونقابته إلى الواجهة وخلق ديناميكية سياسية جديدة.

4. التناقض مع الماضي:
يثير هجوم بنكيران على النقابات تساؤلات حول مصداقيته. فهذه النقابات التي يصفها اليوم بـ"المرتزقة" هي نفسها التي حاورها وتفاوض معها، ووقع معها اتفاقات أحيانًا، وواجه معها إضرابات أحيانًا أخرى، طيلة عشر سنوات كان فيها حزبه يقود الحكومة.

لماذا لم يصفها بالمرتزقة آنذاك؟ هذا التناقض الصارخ يعزز فرضية أن الهجوم الحالي هو تكتيك سياسي ظرفي مرتبط بوضعية المعارضة الحالية أكثر منه موقفًا مبدئيًا ثابتًا. كما أن حديثه عن الدفاع عن المقاولة إلى جانب العمال يثير تساؤلاً حول طبيعة الخطاب النقابي الذي يتبناه.

ويمكن في المجمل قراءة خرجة بنكيران في فاتح ماي على انها  لم تكن مجرد خطاب نقابي، بل كانت مناورة سياسية متعددة الأهداف. هي مزيج من رد الفعل على التهميش، ومحاولة يائسة لإعادة بناء النفوذ، وإطلاق مبكر لحملة انتخابية تستهدف استغلال أي فرصة لإثبات الوجود في الساحة السياسية.

يبقى السؤال هو مدى نجاعة هذا الأسلوب في استعادة ثقة الناخبين والعمال، خاصة في ظل التناقض الواضح مع ممارسات الحزب عندما كان في السلطة وخطابه الاستدراكي اليوم. إنها مقامرة سياسية قد تعيد بعض البريق لـ"الزعيم" في أعين أنصاره، لكنها قد تزيد أيضًا من عزلته عن باقي الفرقاء السياسيين والنقابيين.