أكد أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، على أن الزيارة الثانية للملك فليبي السادس للمغرب، مباشرة بعد تسلمه مقاليد الحكم بإسبانيا، تعتبر إشارة قوية.
وأضاف نور الدين في تصريح لـ"بلبريس"، أن زيارة الملوك الإسبان للمغرب، كأول بلد خارج إسبانيا، يبرز عمق العلاقات التي تربط بين البلدين، على اعتبار أن العلاقات الاسترتيجية بين البلدين إسترتيجية حقيقية، بالنظر إلى العمق التاريخي الذي يجمعهما قبل نحو ثمانية قرون، من خلال التواجد العربي المغربي في إسبانيا وتواجد إسبانيا في المغرب وفي الصحراء، بالإضافة إلى تبعية شمال المغرب لإسبانيا بحكم الفترة الاستعمارية بداية القرن العشرين، والتبعية المباشرة للحكم الإسباني في الجزيرة الإيبيرية للمغرب في عهد المرابطين والموحدين لمدة قرنين تقريبا.
العمق الحضاري
وعن العلاقات المغربية-الإسبانية، أكد نور الدين، على أن عمق العلاقات، تظهر جليا في حضارة الدولتين، في اللباس وفي الموسيقى الأندلسية على الضفتين، وكذلك في وجود العائلات الموريسكية المشتركة بين البلدين بعد سقوط الأندلس، وبعده بحوالي قرن، بعد آخر ثورة قام بها الموريسكيون بإسبانيا طرد على إثرها فيليبي الثالث ما تبقى من الموريسكيين المسلمين في الجزيرة الإيبيرية .. مشيرا إلى أن هذا البعد الحضاري، يعطي قوة لا يمكن تجاوزها لهذه العلاقات من قبل أي من البلدين مهما تغيرت أنظمة الحكم والتوجهات السياسية للبلدين.
وذكرالمتحدث ذاته، تصريحا سابقا للسفير الإسباني بالرباط، قال فيه:" إن السياسة الإسبانية اليوم نحو المغرب أصبحت سياسة دولة، أي أنها لا تتغير بتغيير الأحزاب لانها أصبحث إستراتيجية غير مرتبطة بظرفية معينة" .
البعد الاقتصادي
وفيما يتعلق بالبعد الاقتصادي بين البلدين، قال الخبير في العلاقات الدولية، إن ما يعزز هذه العلاقات الاسترتيجية في بعدها التاريخي والحضاري، هو العمق الذي اكتسبته في السنوات الأخيرة، على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، الأمني، والعسكري والثقافي، مشددا على أن" المملكة الإسبانية اليوم هي الشريك التجاري الأول للمغرب من خلال مبادلات بلغت حوالي 15 مليار يورو في السنة الماضية، زد على ذلك استمرار هذه المبادلات التجارية في التطور بشكل متسارع بين الجانبين، فضلا عن كون المغرب يستقبل حاليا أزيد من 52 بالمائة من الاستثمارات الإسبانية في إفريقيا بالإضافة إلي حوالي 1000 شركة إسبانية توجد مقراتها أو لديها أنشطة بالمغرب".
البعد الإنساني
البعد الإنساني، أيضا حاضر في العلاقة بين البلدين، وتتجلى، حسب أحمد نور الدين، في "زيارة ما يقارب مليون سائح إسباني للمغرب سنويا للمغرب، بالإضافة إلى قضاء نحو 50 ألف مغربي لإجازاتهم في الشواطيء الإسبانية .. هذه العلاقات لديها كذلك بعد اجتماعي من خلال تواجد عائلات إسبانية بالمغرب، حيث يوجد ما بين 700 ألف ومليون مغربي من المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج داخل التراب الإسباني، وهو ما يشكل عمقا إنسانيا، واجتماعيا، من شأنه أن يشكل محركا لتطوير هذه العلاقت في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسة والامنية..
التعاون الأمني
وعلى المستوي الأمني، يرى أحمد نور الدين، "أن التحديات التي تواجهها إسبانيا والمغرب هي تحديات مشتركة أصبحت على رأس الأجندات الدولية في الأمم المتحدة، وفي الإتحاد الأوروبي، وفي الإتحاد الإفريقي، وتتجلى في إشكاليات الهجرة غير الشرعية، ومسألة الإرهاب، والجماعات المسلحة، وارتباطا معها بشبكات التهريب والجريمة المنظمة".
وأضاف، أن إسبانيا، استطاعت تفادي العديد من العمليات الإرهابية بفضل التعاون الأمني مع المغرب باعتراف من الجانب الإسباني.
وأشار إلى أدوار اللجن الأمنية التي تجمع وزراء الداخلية ومدراء الأمن الوطني ومسؤولي الإستخبارات في البلدين، وهو الجانب الذي يشمل أيضا، باقي الدول الأوروبية نظرا لما أصبحت تحضى به الأجهزة الأمنية المغربية، من خلال الكشف عن العديد من القضايا الإرهابية قبيل وقوعها أو في عمليات استباقية، كما وقع في أحداث باريس وأحداث بروكسيل التي كان فيها دور المغرب رئيسيا في الكشف عن الخلايا الإرهابية، التي نفذت العمليات، بالإضافة إلى التعاون العسكري سواء في إطار الحلف الأطلسي أو في إطار قوات الجنوب الغربي لأوروبا، دون نسيان وجود صادرات عسكرية نحو المغرب، وهو ما يشكل عاملا رئيسيا لبناء الثقة بين البلدين.
الوحدة الترابية
وفي سياق متصل، شدد نور الدين، على أن "هذه علاقات البلدين في عمقها، الحضاري، والثقافي، والاقتصادي، والاجتماعي، تعطينا قاعدة صلبة لتطوير هذه العلاقات الاستراتيجية، وترقى إلى الشراكة الاسترتيجية التي وقعت بين البلدين في وقت سابق"، مستدركا أن من واجبات هذه الشراكة الاسترتيجية أيضا، تفادي مواجهة العراقيل، من قبيل قضية الوحدة الترابية للمملكة، التي ينبغي لإسبانيا دعم الموقف المغربي حولها.
وأضاف المصدر ذاته أن إسبانيا تعتبر أكثر دولة معرفة بأن الساقية الحمراء ووادي الذهب أراضي مغربية، وأن الاتفاقيات التي جمعت المغرب وإسبانيا قبل 1881، والتي تطالب فيها إسبانيا بحماية التجار والسفن، لأكبر دليل على أن هذه المناطق مغربية وتابعة للمغرب عبر التاريخ، وأضاف "أن إسبانيا تعرف جيدا كيف ولدت هذه الأزمة في المحضن الإسباني سواء بعد استقلال المغرب وعدم انسحابها مباشرة من إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب، ومن خلال كذلك الأدوار التي لعبتها إسبانيا في الأمم المتحدة بين 1969 و1975، وهو ما أدى إلى ميلاد المشكل قبل أن تتبناه الجزائر".
ودعا المتحدث ذاته، المغرب إلى وضع قضية وحدته الترابية في أجندته مع إسبانيا، دون مطالبتها بتقديم إعتذار تاريخي، "لكن ينبغي على الأقل أن تكون مواقف إسبانيا، واضحة داعمة للمغرب، مثل ما كان المغرب واضحا معها في قضية الانفضال، والاستفتاء في إقليم كتالونيا".
وأشار إلى ضرورة "تناول قضية سبتة ومليلية والبدء في طرحهما على مائدة المفاوضات من أجل بلورة حلول، مثلما تطالب به إسبانيا نفسها بريطانيا بالنسبة لجبل طارق، إذ بالإمكان إيجاد عدة تجارب تم فيها حل هذه االنوع من لمشاكل، كما هو الشأن في هونغ كونغ وماكاو بالنسبة للصين".
المنتجات الفلاحية
أبرز نور الدين، حقيقة منافسة المغرب لإسبانيا في بعض المنتجات الفلاحية، موضحا أن هذا الأمر يدفع بإسبانيا من خلال البرلمان الأوروبي، إلى اتخاذ إجراءات حمائية على المنتجات المغربية، أو محاربتها عن طريق الحماية الجمركية، وهو ما يقتضي مواجهة العراقيل بشجاعة بوجه مكشوف دون التهرب من مواجهتها، لأن العلاقات الاستراتيجية لا تقتصر فقط على الجوانب المتفق عليها، لكن تشمل أيضا الجوانب المختلف بشأنها، من أجل أن تكون علاقات إستراتيجية مبنية علي أسس متينة ولا تتاثر ولا تتغير حسب الظرفية الدولية.