تحذير خبراء من تدهور الخطاب السياسي ومطالب بإصلاحات عاجلة (فيديو )

حذر عدد من الخبراء في برنامج خاص على قناة ميدي1 تيفي حول موضوع "رهانات وتحديات الدخول السياسي والاجتماعي"، من تدهور مستوى الخطاب السياسي في المغرب، معتبرين أن الأزمة الحالية تهدد بإضعاف الحياة السياسية وتأزيم الواقع الاقتصادي والاجتماعي.

سياسات عرجاء

وفي هذا الصدد، أكد ميلود بلقاضي رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية، أن الخطاب السياسي المغربي يمر بأسوأ مراحله، مشيرًا إلى أن الصراعات الشخصية أصبحت تطغى على الخطاب السياسي  وأن هذا التدهور لم يسبق له مثيلا حتى في الفترات السياسية الأكثر قمعًا في تاريخ البلاد.

وأعرب بلقاضي عن قلقه من أن هذه الحالة قد تُبعد الشباب عن الاهتمام بالمجال السياسي، مطالبا بالعودة إلى خطاب سياسي نبيل يرتكز على القيم الأخلاقية، محذرافي نفس الوقت من مخاطر استمرار رداءة الخطاب والتواصل السياسيين،

وفي نفس السياق ،أثار المتحدث ذاته قضايا متعددة حول الصعوبات التي يواجهها المغرب مع دخول الموسم السياسي الجديد. مشيرا إلى أن تقييم الدخول السياسي لا يمكن أن يتم بمعزل عن تقييم السياسات العمومية السابقة التي عانت من "فشل نسبي"، وأن التحديات الداخلية والخارجية تفرض نفسها بقوة على أجندة الحكومة والبرلمان.

ووضع بلقاضي الحكومة أمام مسؤوليات كبرى ترتبط بثلاث قضايا رئيسية وهي: التعليم، الصحة، والتشغيل. ففي قطاع التعليم، أشار إلى وجود خلل في التدبير والحكامة، إلى جانب غياب المقاربات الاستباقية اللازمة لإصلاح منظومة التربية والتكوين، مضيفا أن مشاكل قطاع الصحة تفاقمت، بما في ذلك أزمة طلبة كليات الطب والصيدلة، ذلك أن الحكومة لم تتبنى سياسات استباقية لمعالجة الأزمات قبل تفاقمها، أما على مستوى التشغيل، فقد نبه بلقاضي إلى ارتفاع نسبة البطالة، مما زاد من الضغط على الحكومة لتقديم حلول ملموسة.

تطرق بلقاضي أيضًا إلى الأزمات الاجتماعية المرتبطة بالكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات التي شهدتها المناطق الجنوبية، مؤكدًا أن الحكومة فشلت في تقديم تواصل إعلامي فعال وتفسير الأحداث بشكل يرضي الرأي العام، مشددا على أهمية توفير المعلومات الرسمية بشكل سريع وشفاف لتجنب انتشار الإشاعات والتضليل الإعلامي.

وفيما يخص السياسات الخارجية والتحديات الدولية على المستوى الدولي، أكد بلقاضي أن السياسات العمومية المغربية تتأثر بعوامل خارجية، وأن المغرب ليس جزيرة منعزلة عن العالم، مشيرا إلى أن التحديات الاقتصادية العالمية، مثل التضخم وغلاء المعيشة، تتطلب من الحكومة اتخاذ سياسات صارمة لمواجهة التداعيات.

كما دعا بلقاضي المعارضة البرلمانية إلى الالتزام بالدور المنوط بها وفقًا لما يمنحه الدستور، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد صراعات سياسية كبيرة إذا لم يتم التعامل مع هذه التحديات بحزم وحكمة.

أرقام مفزعة

ومن جانبه استعرض علي الغنبوري، مدير مركز الاستشعار الاقتصادي والاجتماعي، الوضع الاقتصادي الحالي والتحديات التي تواجه البلاد، خصوصًا فيما يتعلق بالطاقة والمياه. وأشار إلى أن المغرب ما زال يعتمد بنسبة 90% على استيراد الطاقة، وهو ما يكلف خزينة الدولة 16 مليار دولار سنويًا. وأكد أن البلاد بحاجة ماسة إلى تسريع الانتقال نحو الطاقات المتجددة لضمان السيادة الطاقية وخفض التكاليف.

وفيما يخص المياه، شدد الغنبوري على ضرورة الإسراع في تبني حلول جذرية لمعالجة أزمة المياه التي تلوح في الأفق. وأضاف أن البطالة، خاصة في المناطق القروية، تمثل تحديًا إضافيًا يتطلب تدخلًا حكوميًا لتفعيل برامج التشغيل وجذب الاستثمارات.

وقدم الغنبوري، نقداً لاذعاً للأداء الحكومي في المغرب، مشيرًا إلى أن السياسات الحكومية التي كانت تهدف إلى بناء "الدولة الاجتماعية" قد أدت إلى نتائج معاكسة، مما ساهم في تفاقم الأزمة الاجتماعية وزيادة الفقر والبطالة.

وأكد الغنبوري أن الحكومة فشلت في تحقيق أحد أهم أهدافها المعلنة، والمتمثل في خفض نسبة الفقر، فقد كان من المتوقع أن يتم رفع مليون أسرة مغربية من الفقر، ولكن الواقع يشير إلى العكس، مشيرا إلى أن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أظهرت أن حوالي 3 ملايين مغربي يعيشون الآن تحت خط الفقر، وهي أرقام تعيد البلاد إلى مستويات عام 2014. هذه الأرقام تمثل ضربة للجهود التي بذلت خلال العقد الماضي لمحاربة الفقر في المغرب.

وأشار الغنبوري إلى أن نسبة البطالة ارتفعت إلى 13%، وهي نسبة مقلقة بحسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط. وأوضح أن الحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا الوضع، مشيرًا إلى أن البطالة ليست مسؤولية قطاع وزاري واحد بل هي مسؤولية الحكومة ككل. فالتشغيل يرتبط أساساً بالنمو الاقتصادي، وهو ما يعكس ضعف الدينامية الاقتصادية التي فشلت الحكومة في تحقيقها.

وتطرق المتحدث كذلك إلى قضية الاستثمار، مشيرًا إلى أن نوعية الاستثمارات الحالية في المغرب لا تساهم في خلق فرص عمل كافية. ففي العقود السابقة، كانت كل نقطة نمو اقتصادي تساهم في خلق أكثر من 50 ألف وظيفة، أما اليوم فقد تراجعت هذه النسبة إلى ما يقارب 12 ألف وظيفة فقط لكل نقطة نمو، مما يعكس خللاً كبيرًا في السياسات العمومية.

وأضاف الغنبوري أن تأخر الحكومة في إصدار مجموعة من النصوص التنظيمية الخاصة بمناخ الأعمال ساهم أيضًا في تقليص فعالية الاستثمارات، مؤكدا أن الحكومة مطالبة بالعمل على تفعيل المشاريع الكبرى والمشاريع الهيكلية لإنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة.

تحولات مطلوبة

ومن جانبها، أوضحت الباحثة في القانون الدستوري مريم ابليل أن المغرب دخل مرحلة جديدة من الدورة التشريعية، معتبرةً أن الوقت الحالي هو لحظة التقييم الحقيقي لأداء الحكومة. وشددت على ضرورة الإسراع في تنفيذ الإصلاحات التشريعية الكبرى، مثل قانون الإضراب، الذي تأخر تنفيذه لعدة عقود، مؤكدة أن البرلمان أمامه أجندة تشريعية مزدحمة في العامين المقبلين.

وأكدت الباحثة في القانون الدستوري مريم ابليل أن البرلمان المغربي يعتبر محورًا أساسيًا في النظام الديمقراطي ولا يمكن تصور بناء ديمقراطي بدون وجوده. ومع ذلك، أشارت إلى وجود إشكالات تعيق تحقيق النتائج المرجوة، داعية إلى إصلاحات ضرورية لتعزيز دوره في العملية التشريعية.

تطرقت ابليل إلى ما وصفته بـ"ثنائية الإنكار" في الخطاب السياسي، حيث تُنكر الحكومة وأغلبيتها أي سلبيات، وتتحدث فقط عن الإنجازات، في حين أن المعارضة وجزء كبير من المواطنين ينكرون أي إنجازات تُحقق على أرض الواقع، معتبرة أن هذا الوضع يُعقّد التواصل بين الفاعلين السياسيين والمواطنين، وأن هناك ضعفًا في التواصل حول المشاريع التي يتم إنجازها وكيفية تقييم تأثيرها.

وأشارت الباحثة إلى أحد البنود المهمة التي جاءت في النظام الداخلي للبرلمان، والذي نص على إمكانية استقبال القطاع الخاص في اللجان البرلمانية، لكن هذا البند قوبل بالرفض من قبل القضاء الدستوري، موضحة أن هذا الرفض يعكس التأخر في تنظيم عمل جماعات الضغط في المغرب، على غرار الأنظمة الديمقراطية الأخرى. وأكدت أن وجود قوانين تنظم عمل هذه الجماعات سيوفر الشفافية، ويسمح لجميع الفاعلين بالتواصل بشكل مؤسس.

وفيما يتعلق بالأداء التشريعي، ترى ابليل أن البرلمان بحاجة إلى مجهود استثنائي لتحقيق ما يجب تحقيقه خلال السنتين المقبلتين، مشيرة إلى أن هناك العديد من مشاريع القوانين الكبرى التي تتطلب جهدًا كبيرًا، وقد تحتاج إلى دورات استثنائية لتسريع العملية التشريعية.

أشارت الباحثة إلى أن رئيس الحكومة وأحزاب الأغلبية يجب أن يكونوا على وعي كامل بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، كما أكدت أن الحكومة مطالبة بتغيير وتيرة العمل والحكامة والتدبير لضمان تحقيق النتائج المرجوة. وأضافت أن التحديات الحالية تتطلب تواصلاً فعالاً مع المواطنين وتقديم توضيحات حول السياسات العمومية والإنجازات.

واختتمت ابليل حديثها بالتأكيد على ضرورة تعديل حكومي قريب يتكيف مع التحديات الوطنية والدولية، داعية إلى الاستعانة بالخبراء والفاعلين الاجتماعيين لتحسين الأداء الحكومي وتجاوز التحديات الراهنة.