منذ اعتلائه العرش في الثلاثين من يوليوز 1999 حافظ الملك محمد السادس على علاقات المغرب المتوازنة مع الجيران وغيرهم في عالم متغير جيو سياسيا، بسبب الكثير من الأحداث التي يكون المغرب طرفا فيها أو معنيا بها، فكيف عبر المغرب ربع قرن من الدبلوماسية وكيف تجلى دور الملك في هذه الدبلوماسية؟
عرفت الدبلوماسية المغربية خلال ربع قرن العديد من التحولات المفصلية لعل أبرزها تغيير الشركاء التقليديين مثل فرنسا والانفتاح على شركاء جدد مثل روسيا والصين وبريطانيا .
الدبلوماسية الهادئة والمتوازنة
تؤدي الدبلوماسية الهادئة دورًا هامًا في إدارة الأزمات بين الدول، وذلك من خلال اعتمادها على الحوار والتفاوض والاحترام المتبادل لحلّ الخلافات وتجنب الصراع.
كانت أزمة جزيرة تورة المغربية (المشهورة باسم جزيرة ليلى) أول اختبار دبلوماسي للمغرب على عهد الملك محمد السادس، وكان وزير الخارجية آنذاك محمد بنعيسى، عندما تفاجأ المغرب ومعه الرأي العام بدخول جنود إسبان إلى جزيرة مغربية دون سابق إشعار على عهد رئيس الحكومة اليميني خوسي ماريا أثنار .
كان المغرب في 11يوليوز 2002 قد بعث للجزيرة جنودا لمراقبة العابرين سرا نحو أوروبا وتجار المخدرات لكن إسبانيا اعتبرت ذلك غزوا للجزيرة وازداد التصعيد فوق الجزيرة عندما قررت إسبانيا أن تجلب اسلحة وطائرات وفرقة خاصة لطرد الجنود المغاربة.
كاد خطأ اثنار وحكومته، أن يشعل حربا عسكرية لو أن المغرب قام بتصعيد الازمة، لكن المغرب فضل اللجوء إلى القانون والدبلوماسية، وتدخلت الولايات المتحدة وأطراف أخرى لاحتواء الأزمة .
الدبلوماسية التضامنية

المغرب نهج مع العديد من الدول خاصة في أفريقيا نوعا من الدبلوماسية التضامنية التي تستهدف التعاون جنوب-جنوب.
تُجسّد الدبلوماسية التضامنية التي ينتهجها المغرب تجاه الدول الإفريقية، مبادئ التعاون والشراكة التي تربطه بجيرانه.
تجلت هذه الدبلوماسية، في أزمة كوفيد عندما قدمت المملكة هبات تضامنية لبعض الدول تمثلت في أدوية ومستلزمات طبية.
شملت هذه الدبلوماسية أيضاً تقديم أسمدة لمجموعة من الدول الأفريقية، لمساعدتها على التغلب على أزماتها الغذائية مثل الغابون و موريتانيا و رواندا ودول أخرى.
وتتجلّى الدبلوماسية التضامنية في مبادرات ملموسة، مثل إلغاء ديون البلدان الإفريقية الأقل نمواً، وتصدير اللقاحات والأدوية، وفتح باب الجامعات المغربية أمام الطلبة الأفارقة، وتحويل المغرب إلى وجهة رئيسية للمهاجرين الأفارقة.
إنّ هذه المبادرات تُساهم بشكل فعّال في نهضة إفريقيا، وتُعزّز أواصر التعاون والترابط بين الدول الإفريقية.
الدبلوماسية الدينية
تعتبر الرباط مرجعا روحيا لمختلف الحركات الصوفية في القارة الأفريقية ، حيث يتواجد أئمتها. وعلى نحو مماثل، يعد المغرب مكان اجتماع مشترك لمختلف الزعماء السياسيين والدينيين والقبليين من مختلف أنحاء منطقة الساحل.
وعلى سبيل المثال، ينظم المنتدى العالمي لأعضاء الطرق الصوفية سنويا في المملكة بمشاركة 50 دولة. وترتبط العديد من الزوايا الصوفية في أفريقيا بالمراكز الصوفية في المغرب.
كما تعقد الزاوية التيجانية في السنغال تجمعات دينية على الطراز المغربي مما يشير إلى الارتباط الوثيق بين هذه الزوايا في إفريقيا والمغرب.
المرجعية الدينية المغربية العريقة تشكل نموذجا للكثير من الجماعات الدينية في القارة السمراء.
التواجد الروحي للمغرب في القارة الأفريقية سواء على مستوى الإصلاحات الدينية التي قام بها، وجعلته محجا للأئمة الأفارقة وأيضا نموذجا في الاعتدال الديني. أو على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي، خاصة بعد عودة المغرب للاتحاد الأفريقي في يناير 2017.
روحيا، يشهد المغرب تخريج زعامات دينية أفريقية كل عام من خلال معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، والذي يشكل فرصة للمغرب لتسويق سياسته الدينية على المستوى الدولي.
كما أرسل المغرب 274 إماما وأستاذا جامعيا بمناسبة شهر رمضان الماضي إلى 14 دولة، هي "فرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وكندا والولايات المتحدة والسويد والدنمارك وبريطانيا والمجر والنرويج وأيسلندا". بهدف المواكبة الدينية للمغتربين المغاربة.
العودة إلى الاتحاد الأفريقي و الاعتراف بمغربية الصحراء

تعد العودة إلى الاتحاد الافريقي رسميا في 31 يناير 2017، حدثا بارزا ومنعطفا جديدا في الدبلوماسية المغربية ، حيث أشرف الملك شخصيا على مسار هذه العودة من خلال زيارات ميدانية لدول أفريقيا عدة شملت غرب القارة وشرقها وبعث رسالة مهمة في 6 نونبر 2016 عندما ألقى خطاب ذكرى المسيرة الخضراء من داكار عاصمة السنغال.
كما ترأس في 16 نونبر من العام نفسه، قمة أفريقية مصغرة في مراكش على هامش قمة المناخ كوب22، ضمت مجموعة من القادة الأفارقة.
وتوج الملك هذا المسار بحضوره شخصيا للقمة 28 بأديس أبابا في 31 يناير 2017، وهو الحضور المغربي الأول من نوعه، منذ مغادرته لمنظمة الوحدة الافريقي في 1984 .
الاعتراف الأمريكي وتغير مواقف ألمانيا وإسبانيا وفرنسا

وينضاف إلى هذا النجاح الدبلوماسي، اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية في 10 دجنبر 2020 بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه. ويأتي هذا الإعلان الرسمي تتويجا للروابط العريقة والعلاقات متعددة الأبعاد التي تربط حليفين يتقاسمان أكثر من قرنين من التاريخ القائم على الصداقة والتقدير.
وبحسب نص الإعلان، فإن الولايات المتحدة تؤكد "دعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع" حول الصحراء، مضيفا "وعليه، واعتبارا من اليوم، فإن الولايات المتحدة تعترف بالسيادة المغربية على كامل أراضي الصحراء".
وقوّى هذا القرار السيادي للولايات المتحدة الأمريكية، الذي عزز بشكل لا رجعة فيه العملية السياسية، الدعم الدولي للحل المغربي من أجل تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء، ومكن من خلق دينامية إيجابية جديدة.
وكذلك الشأن بالنسبة لجمهورية ألمانيا الاتحادية، التي أكد رئيسها فالتر شتاينماير في رسالة موجهة إلى الملك محمد السادس بمناسبة السنة الجديدة 2022 ، أن ألمانيا " تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قُدم في سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات مصداقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل إلى اتفاق" لهذا النزاع الإقليمي.
وبعد بضعة أشهر من موقف برلين، جاء الموقف الاسباني، حيث أكد رئيس الحكومة الإسبانية، السيد بيدرو سانشيز، في رسالة بعث بها إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في 14 مارس الماضي، أنه "يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب". وفي هذا الصدد، "تعتبر إسبانيا مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية النزاع".
وتأكد هذا الموقف في شهر أبريل الماضي، عندما استقبل الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط، رئيس الحكومة الإسبانية، حيث جدد الملك وسانشيز تأكيد الإرادة في فتح مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، قائمة على الاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق.
وتشكل هذه المواقف الشجاعة لكل من ألمانيا واسبانيا والبرتغال وهولندا وتركيا وإيطاليا وصربيا والمجر ورومانيا وقبرص والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وكذا للعديد من الدول العربية والإفريقية والآسيوية، بالتأكيد أفضل رد قانوني ودبلوماسي على أولئك الذين يزعمون أن الاعتراف بمغربية الصحراء ليس صريحا أو ملموسا.
الشيات : الديبلوماسية الملكية مبنية على التنمية والخيارات الاستراتيجية

يرى خالد الشيات أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة وجدة ’’أن الدبلوماسية المغربية في عهد الملك محمد السادس فيها الكثير من الأحداث والجوانب المرتبطة بالسياسة الخارجية،و الجانب الدبلوماسي من حيث التصور والممارسة، ولا يمكن أن تكون قد استقرت على سياسة واحدة ولابد أن فيها خيطا ناظما يوحدها ويتحكم فيها بشكل كبير .
وأضاف الشيات في حديث مع بلبريس أن فترة بداية الحكم الملك كانت مبنية على نهج الاستمرارية التي كانت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، في إطار الاستقرار ومحورية العلاقات مع الاتحاد الأوروبي خصوصا.
كما تميزت هذه السياسة باتفاق للشراكة او التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة.
وكان رهان أساسي للسياسة الخارجية في عهد الملك محمد السادس من خلال الشراكات التجارية و تنويع الشركاء دوليا.
بالنسبة لقضية الصحراء، يرى الخبير في العلاقات الدولية أن هناك انتهاجا كبيرا للمسار الذي اختتمه الملك الراحل الحسن الثاني، لكن تمت محاولة خلخلة هذا النهج قانونيا من خلال التحرك أمميا. وأيضا لإيجاد حل سياسي.
عموما هناك حركيات على مستوى الخيارات الاستراتيجية في الدبلوماسية المغربية، والاحتفاء بأفريقيا كعمق استراتيجي للمغرب بعودة المغرب للاتحاد الافريقي وكل هذه التحولات تنم عن فهم المغرب بعمقه الإفريقي.
وأيضا علاقات ثنائية مع دول عدة مثل اليابان والبرازيل والصين وروسيا، والمغرب تمكن من العبور نحو مرحلة التأثير في اتخاذ القرار مع قوى أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والتصور عن المغرب سابقا قد تغير.
بلال السويح : ربع قرن من الدبلوماسية غيرت صورة المملكة ودورها الإقليمي
قال بلال سويح المحلل السياسي وعضو الجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء بعد مرور ربع قرن من حكم الملك محمد السادس للمغرب يتبين أن العديد من مظاهر الإصلاح والتغيير قد همت تقريباً كل مناحي الحياة وغيرت صورة المملكة ودورها الإقليمي والقاري ثم الدولي فحصيلة الإنجازات التنموية والإصلاحية التي همت كافة المجالات والمؤسسات وتلك الاجتماعية بلغت مستويات تأهل المغرب ليس فقط للاندماج بل للريادة الإقليمية والإشعاع الدولي الكبير الذي أصبح للمغرب.
لكن اللافت يضيف المتحدث هو مقاربة المغرب في التعاطي مع ملف النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية إذ أنه وبعد 25 سنة من تدبير هذه الدبلوماسية الملكية استطاعت تغيير العديد من انحرافات التعاطي الأممي لهذا الخلاف الإقليمي بحيث أنه وبعد سنة من تولي محمد السادس للحكم وتحديدا يونيو سنة 2000 صدر قرار مجلس الأمن 1359 الذي تجاوز للمرة الاولى خطة التسوية التي حرفت طبيعة النزاع وبداية مرحلة جديدة بعد فشل اتفاق الإطار الذي جاء به المبعوث الأممي جيمس بيكر لإنقاذ خطة التسوية السابقة. الأمر الذي فسح المجال للدبلوماسية الملكية بأخذ زمام المبادرة بداية من سنة 2006 وهي السنة التي بدأ المغرب إرساء دعائم إصلاحاته ميدانيا بما في ذلك الإعلان عن تشكيل المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية "كوركاس".
بعد ذلك أعلن المغرب عن منح الأقاليم الجنوبية المغربية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية تجاوبا مع قرارات مجلس الأمن والدعوات الدولية للخروج من المأزق الذي عرفه مسلسل تسوية هذا النزاع المفتعل.
وأشار السويح إلى أن مرحلة الذروة والإشعاع على مستوى المباركة والتأييد كانت مع إعلان قوى عظمى اعترافها الصريح والتاريخي بمغربية الصحراء كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2020 وكذلك ألمانيا وبلجيكا وهولندا وغيرهم من الدول الأوروبية التي بلغت أربعة عشرة دولة تؤيد مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها الرباط.
أما على الصعيد القاري فإن التوجه الملكي بوقف سياسة الكرسي الفارغ بعد سنة 2017 أثمرت تحييد استغلال الاتحاد الأفريقي في هذا النزاع المفتعل وهامش المناورة لخصوم الوحدة الترابية خصوصا بعد قمة نواكشوط سنة 2018 .
وتابع ان المغرب قرر تبني مقاربة عسكرية متطورة وأمنية فعالة تعززت بإطلاق جلالة الملك مؤخرا المبادرة الأطلسية الموجهة لدول الساحل التي من المنتظر أن تزيد من ربط المغرب بشراكات استراتيجية مع عمقه الأفريقي مما قزم من هامش مناورة الجزائر ومعها البوليساريو في انسداد الأفق للترويج للمشروع الانفصالي إيذانا بقرب انهياره.
حسن بلوان : ربع قرن من حكم الملك محمد السادس كانت مليئة بالمنجزات السياسية والدبلوماسية

اعتبر حسن بلوان المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية في تصريح خص به بلبريس أن النجاحات والاختراقات على أكثر من صعيد، وقد لا يتسع المجال لذكرها وحصرها.
وقال في هذا الصدد ’’إن أهم ما جادت به فترة الملك محمد السادس هو المفهوم الجديد للسلطة والقرار السياسي، لذلك كان تجديد العقيدة الدبلوماسية للمملكة المغربية وتغيير ٱلياتها وتحصين مكتسباتها أولوية كبرى لدى جلالة الملك منذ جلوسه على العرش، وفق مجموعة المبادئ المتجددة والفضلى:
- المصالح العليا للمملكة فوق كل اعتبار
- تبني الواقعية السياسية
- التعاون المتبادل وفق مبدأ رابح-رابح
- التوازن الفعال بين الشرق والغرب
وتابع بلوان أنه في هذا الملف بالضبط ظهرت الكفاءة والاحترافية التي تتمتع بها الدبلوماسية المغربية والتي أسفرت عن تزايد الدعم الافريقي والعربي والأوربي والعالمي لوحدة المغرب الترابية وسيادته على أقاليمه الصحراوية حيث توجت اليوم باعتراف فرنسا بعدما غير المانيا واسبانيا مواقفهما لصالح المغرب.
هذا يضيف المتحدث بعد انخراط دول كبرى في هذه الدينامية كالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الكبرى و الاعتراف بمغربية الصحراء. وإخراج دول عالمية مؤثرة أخرى مثل الصين وروسيا من منطقة الدعم المطلق لـ الأطروحة الانفصالية الجزائرية إلى موقف الحياد الايجابي، زد على ذلك افتتاح عشرات القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية في الداخلة والعيون لمجموعة من الدول الافريقية والعربية وأمريكا الجنوبية.
ينضاف هذا إلى مواقف الدول العربية التي عبرت غير مرة عن دعمها للوحدة الترابية للمغرب في أكثر من مناسبة.