قالوا عن تسليم إسبانيا إدارة المجال الجوي للصحراء إلى المغرب
أثارت الخطوة التي أقدمت عليها مدريد مباشرة بعد زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى المغرب بنقل إدارة المجال الجوي للصحراء إلى المملكة المغربية، مخاوف جبهة البوليساريو الإنفصالية من تداعياتها على نسف المشروع الانفصالي في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
الوضع القانوني للصحراء قد يشهد تحولا في حالة صدور قرار من الحكومة الإسبانية يروم تسليم إدارة المجال الجوي للصحراء إلى المغرب، وهذا ما جعل زعيم “البوليساريو”، إبراهيم غالي، في تصريحات سابقة له “يبدي تخوفه من هذا التغيير المنتظر الذي يبرز سيادة المغرب على مناطقه الجنوبية”.
وجدد القيادي الانفصالي عبد الله العرابي، المُلقب بـ"ممثل البوليساريو في مدريد"، "رفض" جبهة البوليساريو نقل إدارة المجال الجوي للصحراء إلى المملكة المغربية، موردا في تصريحات صحافية أن "إسبانيا ليست صاحبة المجال لكي تقرر تسليم السيطرة عليه إلى المغرب، وستجدنا أمامها في حال حدث ذلك".
وحسب بعض المراقبين، فإنه في ظل التقارب المتزايد بين الرباط ومدريد ينتظر وصول الطرفين إلى اتفاق يقضي بتسليم إسبانيا أوراق إدارة المجال الجوي للصحراء إلى المغرب، إضافة إلى صدور حكم لصالح المغرب والاتحاد الأوروبي بخصوص اتفاقية الفلاحة والصيد البحري التي تشمل الأقاليم الصحراوية.
وأجمع خبراء على أن هذه الخطوة من شأنها أن تعزز الطرح المغربي حول قضية الصحراء المغربية، كما أن استعادة المغرب مراقبة مجاله الجوي للصحراء فيه تكريس للسيادة الترابية ودليل على أن الأطروحات الإنفصالية ومعها محاولات النظام الجزائري لاستمالة الجانب الإسباني وصلت إلى نهايتها.
محمد عطيف: تسليم إسبانيا المجال الجوي للصحراء للمغرب يُجسّد سيادة المملكة ويُنهي أوراق الضغط الانفصالية
محمد عطيف، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، قال إن “الحديث عن استعداد إسبانيا تسليم إدارة المجال الجوي للصحراء المغربية إلى الرباط، بعدما سبق لوزير الخارجية الإسباني أن أكد استمرار الاتصالات والمفاوضات في هذا الصدد، يأتي في إطار الدينامية الإيجابية التي شهدتها العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات منذ الإعلان المشترك الصادر في أبريل من العام 2022، الذي طوى صفحة الخلاف بين حكومتي البلدين إثر دعم مدريد لخطة الحكم الذاتي في الصحراء”.
وأضاف عطيف، أن “السياسة الخارجية الإسبانية بخصوص ملف الوحدة الترابية للمملكة أصبحت تتضح شيئا فشيئا وتحاول تصفية كل القضايا العالقة بين الجانبين، على رأسها قضية إدارة المجال الجوي الذي كانت منظمة الطيران المدني الدولي قد قررت الإبقاء على إدارته من طرف هيئة الطيران المدني الإسباني إلى حين تسوية النزاع، غير أن الواقع الجديد اليوم في الصحراء، ومجرد التفاوض حول هذا الموضوع، يكشف عن رغبة إسبانية بتسلم المغرب لهذا المجال لتثبيت سيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية”.
وأشار المتحدث إلى أن “إسبانيا لن تلتفت إلى دعوات الجبهة الانفصالية في هذا الصدد لأنها حسمت أمرها ومواقفها، وهي تريد اليوم الانخراط بشكل جدي أولا في مسلسل تسوية هذا النزاع وفق المقاربات المغربية، وثانيا تريد تسوية كل الملفات والقضايا ذات العلاقة بهذا النزاع من أجل المساهمة في الجهود التنموية التي يقودها المغرب في أقاليمه الجنوبية، إذ إنها تراهن على واقع الأمن والاستقرار في المنطقة وستسعى لترجمة موقفها الجديد بخطوات عملية من هذا القبيل”.
وخلص المصرح إلى أن “الأطروحة الانفصالية وصلت أوج مراحل اضمحلالها، ولا تملك البوليساريو اليوم ولا الدول الداعمة لها، وعلى رأسها الجزائر، أي أوراق للضغط على الحكومة الإسبانية من أجل ثنيها عن اتخاذ خطوة تسليم المجال الجوي إلى المغرب؛ لأن مدريد والدول الحليفة للرباط حسمت مواقفها واختياراتها الاستراتيجية، ثم إن المغرب كرس وضعا جديدا في الصحراء أمام المنتظم الدولي الذي لا يمكنه إلا أن يساند أي خطوات تخدم الأمن والاستقرار في المنطقة”.
شريفة لموير: الجميع يدرك أن لا سلطة في الواقع للكيان الوهمي على الأقاليم الجنوبية
شريفة لموير، باحثة في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، قالت إن “العلاقات المغربية الإسبانية قطعت أشواطا مهمة، إذ شهدت تقاربا سياسيا واضحا منذ تغير الموقف الإسباني حول مسألة الصحراء بدعمه للطرح المغربي، وهذا سينعكس بكل تأكيد على طبيعة التعاون بين البلدين وعلى الملفات العالقة بينهما، على غرار ملف جمارك سبتة ومليلية وملف إدارة المجال الجوي في الصحراء المغربية”.
وأضافت لموير أن “صانع القرار في إسبانيا يعي جيدا أن أوان ممارسة المغرب لسيادته على المجال الجوي في الصحراء قد حان، وأن هذه الخطوة تعد بالنسبة للرباط تكريسا وتتثيبا لموقف مدريد الجديد من النزاع المفتعل حول الصحراء، إذ ترى المملكة أن إدارة المجال الجوي في أقاليمها الجنوبية ستكون نقطة فارقة في التقارب بين الجانبين، خاصة أن إسبانيا لن تغامر بالدخول في توتر جديد مع المغرب في ظل الثقل القاري الذي أصبح يشكله والدعم الدولي الذي يستطيع حشده لصالح هذه الخطوة”.
وتعليقا على الخطاب الانفصالي حول هذا الموضوع، أوردت المتحدث أن “الجميع يدرك أن لا سلطة في الواقع للكيان الوهمي على الأقاليم الجنوبية. وبالتالي، فإن خروج قياداته بتصريحات في هذا الصدد، ما هي إلا محاولات لتغليط الرأي العام الدولي”.
وشددت لموير على أن “تشبث الجبهة الانفصالية بهذا الخطاب المنافي للواقع الذي ثبته المغرب على الأرض، يكشف في الحقيقة هشاشة هذا الكيان وداعميه وتناقض خطابات قياداته، أضف إلى ذلك، كما سبق أن قلت، أن جميع الدول باتت تدرك جيدا طبيعة مقاربة الحزم الجديدة التي يتبناها المغرب مع حلفائه فيما يخص سيادته وقضاياه. وبالتالي، فإن تسلم المغرب لإدارة المجال الجوي في الصحراء مسألة وقت وترتيبات لا أقل ولا أكثر”.
عبد الفتاح الفاتحي: استعادة المغرب مراقبة مجاله الجوي للصحراء فيه تكريس للسيادة الترابية
واعتبر مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، عبد الفتاح الفاتحي، "استعادة المغرب مراقبة مجاله الجوي للصحراء فيه تكريس للسيادة الترابية، وإعادة للتأكيد الإسباني على استدامة اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء خلال توقيع الإعلان المشترك بين البلدين في 7 أبريل/ نيسان 2022".
ولفت إلى أن "المغرب يولي لمسألة مراقبة مجاله الجوي أولوية بالغة، وأن الأمر لا يعد ترفاً سياسياً ورمزياً لسيادة المغرب على المجال الجوي الصحراء فحسب، بل لارتباطه بالأمن العسكري والقومي للمملكة".
وأوضح الفاتحي أن "إسبانيا ظلت تستفيد من هذا الإرث الاستعماري لاسيما أنه يوفر لها مداخيل مالية مهمة فضلا عن مراقبة نشاط الطائرات العسكرية المغربية في المنطقة"، معتبرا أنه وضع لا يمكن استمراره عسكريا بالنسبة للمغرب.
وذهب مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" إلى أن "سيطرة المغرب على كامل ترابه ستجعله من الدول المهيمنة عسكرياً في سماء المنطقة، وسيمنحه ذلك قوة تفاوضية خلال المفاوضات مع إسبانيا على تثبيت حدود المياه الإقليمية، وما يرتبط بالصراع الإستراتيجي للسيطرة على رواسب الهيدروكربون في المنطقة البحرية لجنوب المملكة".
الشرقاوي الروداني: تخوف البوليساريو من هذه العملية راجع بالأساس إلى تجسيد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية
تعليقا على هذا الموضوع، قال الشرقاوي الروداني، الخبير الأمني والاستراتيجي، إن “تخوف جبهة البوليساريو من هذه العملية راجع بالأساس إلى تجسيد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وأيضا يبين أن إسبانيا التي لها مسؤولية تاريخية وسياسية وقانونية تعترف بسيادة المغرب على الصحراء”.
وأضاف الروداني، أن “إسبانيا كانت تمتلك السلطة الإدارية وحسب القانون الدولي فإن إدارة المغرب المجال الجوي يظهر سيادته على المناطق الجنوبية ويكرس أيضا الاعتراف الصريح لإسبانيا بمغربية الصحراء”.
وأشار الخبير الأمني والاستراتيجي إلى أن “إدارة المجال الجوي يجعل المملكة المغربية توطد إستراتيجيتها الأمنية والدفاعية، وبالتالي هذا التحول سيجعل المغرب تبرز تحولات على مستوى مناطقه الثلاث الجنوبية والشرقية والشمالية”.
وتابع المتحدث عينه أن هذه “الخطوة تعتبر دعما صريحا من طرف الجارة الشمالية لتجسيد السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية”.
العباس الوردي: هذه الخطوة من شأنها تمنيع العلاقة المغربية الإسبانية ضد كل المناورات وكل أصوات النشاز
وارتباطا بذلك؛ أبرز العباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط والمدير العام للمجلة الإفريقية للسياسات العامة، أن “تسليم إسبانيا للمجال الجوي للصحراء للمغرب؛ فيه إشارات كبرى”.
وشدّد الخبير على أن “الجانبين يؤكدان مرة أخرى على أنهما قادران على تجاوز الاختلاف في إطار بنيوي ومؤسساتي كذلك على أساس تقرير مؤسساتي تُبنى من خلاله مجموعة من التوجهات القادرة على تدبير مثل هكذا ملفات مؤكدا على أن القادم سيكون أفضل من الماضي في الشراكة المغربية الإسبانية”.
وشدّد على أن “هذا التوجه سيُنجح مجموعة من المشاريع الكبرى ومجموعة الـ23 ومجموعة البُنى المبنية على تحقيق السيادة الطاقية (كأنبوب الغاز نيجيريا).. وكذلك مجموعة من التوجهات الكبرى التي ستؤدي إلى تقوية الأمن وتحقيق السلم في إفريقيا وفي بناء جسر جيوسياسي قوي قائم على مبدأ رابح-رابح وعلى بنيات أساسية”.
واعتبر الوردي أن هذه الخطوة من الجانب الإسباني تشير إلى”تفعيل اعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء اعتبارا للتوجهات الكبرى التي أصبحت تجمع بين الجانبين”. كما يأتي هذا التفويت “كذلك في إطار تسوية بعض الملفات العالقة التي يمكنها أن تؤثر بالسلب على العلاقة الثنائية الإسبانية المغربية”.
وأبرز الخبير في ملف الصحراء أنه “في إطار ذلك؛ هذا التوجه يبني من خلاله المغاربة والإسبان علاقة الثقة والتدبير المشترك لمجموعة من القضايا على مائدة الحوار، وفي تلكم إشارات عدة على أن ملفات أخرى ستكون محط النقاش كسبتة ومليلية المحتلتين وغيرها من البنيات التي على أساسها سيكون هناك اتفاق مبني على التوافق والتدبير في إطار الاحترام والاختلاف المبني على إيجاد الحلول”.
كما تأتي هذه الخطوة أيضا “في إطار تمنيع العلاقة المغربية الإسبانية ضد كل المناورات وكل أصوات النشاز التي تحاول بين الفينة والأخرى أن تبني فشلها الذريع على هذه الشراكة المتينة الثنائية”.