يتجه مجلس الأمن الدولي اليوم نحو التصويت على مشروع قرار تقدمت به الجزائر، يطالب بوقف إطلاق النار الفوري لأسباب إنسانية، في ظل الحرب الدائرة في غزة بين إسرائيل وحماس.
مسؤولية الولايات المتحدة
وقد هددت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد المشروع، ما يضعها أمام مسؤولية أخلاقية كبرى، باعتبارها عضواً دائماً في جهاز أممي يُفترض أن يحمي المدنيين ويضمن احترام القانون الدولي.
كما تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية رمزية ومعنوية جراء الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت ضد المدنيين العزل، بما يشمل النساء والشيوخ، فضلاً عن التهجير القسري والإبادة الجزئية.
ضعف الآليات الدولية
سبق للأمم المتحدة أن أدانت جرائم إسرائيل ودعت إلى وقف إطلاق النار، في قرار تم التصويت عليه بأغلبية، لكنه غير ملزم قانونياً، لكونه صادر عن الجمعية العامة وليس مجلس الأمن، حيث يقتصر نفاذ القرارات التنفيذية على الأعضاء الدائمين الذين يملكون حق الفيتو.
كما أصدرت محكمة العدل الدولية فتوى اعتبرت بعض أفعال إسرائيل مخالفة لاتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، لكنها لم تُترجم عملياً بسبب احتكار تنفيذ القرارات داخل مجلس الأمن، مما يفضح الثغرات المؤسساتية في الأمم المتحدة.
ازدواجية المعايير الأممية
لقد سبق أن أُجهضت قرارات وقف إطلاق النار في سوريا من قبل روسيا، رغم إدانات الأمم المتحدة، كما لم تتحرك المحكمة الجنائية الدولية ضد القوات الإسرائيلية، في حين بادرت بالتحرك ضد روسيا في الحرب الأوكرانية.
كل ذلك يوضح أن أجهزة الأمم المتحدة، رغم كونها مؤسسات عالمية، لا تعترف بحقوق الإنسان عالمياً، بل تحمي بعض الشعوب دون غيرها، ما يهدد مصداقيتها واستقرارها، ويرشح العالم نحو صراعات مسلحة، خصوصاً مع صعود قوى دولية وإقليمية جديدة تتحدى هيمنة الغرب.
دروس التاريخ
تاريخياً، فشل عصبة الأمم في حماية السلم الدولي أمام العدوان الياباني على منشوريا عام 1932 والعدوان الإيطالي على الحبشة عام 1936، ثم أمام اندلاع الحرب العالمية الثانية، يبرز أهمية وجود أدوات تنفيذية فعالة؛ نظرا لإغفال جهاز تنفيذي.
مخاطر استمرار الوضع الحالي
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن شرعية النظام الأممي ستتراجع، وستجد الدول نفسها مضطرة للانحياز إلى القوى الصاعدة المناوئة للغرب، ما قد يقود إلى تفاقم النزاعات الدولية.
كما يظهر جلياً أن الانقسام الدولي حول قضايا حقوق الإنسان واستهداف بعض الدول دون غيرها، يخلق شعوراً بعدم العدالة بين الشعوب، ويتيح للدول الكبرى التحكم في مسار القرارات الأممية وفق مصالحها.
ضرورة إصلاح النظام الأممي
ومن هنا، تصبح الحاجة ملحة لإصلاح النظام الأممي، من خلال توسيع نطاق الحماية ليشمل جميع الشعوب، وضمان استقلالية الأجهزة القضائية الدولية عن التأثير السياسي للدول، خصوصاً المحكمة الجنائية الدولية، مع مراجعة آليات تنفيذ قرارات الجمعية العامة، وجعلها ملزمة عند اعتمادها بأغلبية واضحة.
كما يجب إعادة النظر في عضوية مجلس الأمن، وتوزيعها بشكل أكثر عدالة بين القارات والدول، بحيث ينعكس ذلك على القرارات المستقبلية، ويحد من الاحتكار السياسي لأعضاء دائمين يمتلكون حق الفيتو، ما يسهم في تحقيق مزيد من العدالة الدولية والحماية للمدنيين في مناطق النزاع.
لابد من إصلاح أممي عاجل
وفي ضوء ما سبق، فإن إصلاح المؤسسات الأممية أصبح ضرورة حتمية لتجنب الانهيار الكامل للنظام الدولي، ولضمان حماية الإنسانية جمعاء، بعيداً عن ازدواجية المعايير أو الانحياز لأجندات بعض الدول الكبرى، خصوصاً في مناطق الصراعات المسلحة.
إن الوقت ما يزال كافياً للتدارك، ولإعادة بناء مؤسسة أممية قادرة على تنفيذ قراراتها بشكل فعال، وتحقيق العدالة الدولية، وحماية المدنيين في جميع أنحاء العالم، بعيداً عن الضغوط السياسية والابتزاز الدولي، الذي يهدد أمن واستقرار البشرية جمعاء.