القمة العربية المقبلة...التحديات الداخلية والمتغيرات الخارجية
القمة العربية المقبلة...التحديات الداخلية والمتغيرات الخارجية
شكلت القمم العربية مجال جدل كبير منذ تأسيس جامعة الدول العربية 1945 حتى اليوم في الوقت الذي شهدت فيه المنطقة العربية الكثير من المؤتمرات تراوحت بين العادية والاستثنائية، وصدر عنها الكثير من القرارات التي عكست بشكل كبير طبيعة العلاقات البينية العربية-العربية.
بينما تتواصل الجهود الدبلوماسية لعقد جلسات الدورة 31 لاجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة في الجزائر، وبجدول أعمال مثقل بالملفات الخلافية ستنطلق القمة العربية يومي 1 و2 نوفمبر المقبل، ويبدو أن الوصول إلى توافق عربي حول بعض القضايا الخلافية بات يشكل تحديا رئيسيا على أجندة القادة العرب، الذين لم يجتمعوا على مستوى القمة منذ 3 سنوات، بسبب تداعيات جائحة «كوفيد - 19».
ملفات استراتيجية... وتحديات القمة المقبلة؟
تظهر أغلب المؤشرات بأن القمة العربية المقبلة مختلفة عن سابقاتها، ولا تخلو من بعض التحديات التي يجب تجاوزها من أجل إنجاحها، ويمكن الحديث عن العديد من التحديات رئيسية ستواجه العمل القادة العرب أو التي ستواجه الجزائر لضمان نجاح قمتها المرتقبة.
تتجلى أول هذه التحديات في صياغة موقف عربي موحد من القضايا المطروحة: وينطلق هذا التصور من الحاجة الملحة للخروج من الشلل الذي تفرضه قاعدة الإجماع في القضايا الحساسة، واعتماد آلية جديدة لاتخاذ قرار يتيح تحييد الدول الاعضاء التي تتردد عادة في الانضمام الى موقف عربي مشترك وموحد، والهدف من الآلية الجديدة هو تمكين الجامعة العربية من اتخاذ موقف واحد، واضح وحازم وبسرعة من القضايا والأزمات الإقليمية الدولية التي تتفاعل بسرعة وتتجاوز الوتيرة البطيئة لآليات القرار داخل الجامعة العربية. إن عدم القدرة على الاتفاق بين الدول الأعضاء، لن يؤدي إلى اتخاذ قرارات حاسمة في أي ملف لان مستوى الوفود المشاركة من الدرجة الثانية والثالثة، وتعد مشاركة قادة الدول العربية من أهم التحديات المطروحة على القمة العربية المقبلة، حيث أعلنت الرئاسة الجزائرية أن ولي عهد السعودية أبلغ الرئيس تبون بغيابه عن القمة لـ"أسباب صحية". كما ستعرف القمة غياب رئيسي الإمارات ولبنان وأمير الكويت وملك البحرين وسلطان عمان، بينما لم تعلن الدول الخمس موقفها من المشاركة، ولا يعرف –إلى حدود الأن- المستوى الذي سيشارك به المغرب في القمة في غياب موقف رسمي، وتشير كافة المؤشرات أن مشاركة المملكة المغربية ستقتصر على وزير شؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، غير أنه من مؤكد غياب جلالة الملك عن حضور أشغال القمة، أولا لغياب أبرز قادة العرب خاصة قادة الدول الخليجية، وثانيا أن الملك لم يشارك في القمم العربية سابقة حيث كانت أخر مشاركة تعود لقمة الجزائر التي التأمت عام 2005، وكانت آخر قمة عربية يحضرها ملك، فالجزائر تأمل حضور الملك للمشاركة في القمة، مما سيشكل أكبر ضامن لنجاح القمة وينعكس على مستوى التمثيل وطبيعة مخرجات ونتائج القمة، وبالرجوع إلى الحضور المغربي بالقمم العربية، اعتاد الملك محمد السادس على عدم حضور هذه القمم، حيث غالبا ما يمثله رئيس الحكومة أو وزير الخارجية، وقد جاء أدنى تمثيل رسمي للمغرب في القمة العربية السابقة المنعقدة في تونس، إذ اقتصر الحضور على وزير العدل، وقدر يتكرر الأمر بقمة الجزائر.
التحدي الثاني ويتعلق بالملف السوري حيث تصر الجزائر، بصفتها الدولة المضيفة على دعوة دمشق، ولحدود الآن لم يتحقق التوافق على الوجه المطلوب، فهناك دول ترحب بعودتها، وأطراف أخرى تحركت مواقفها قليلا، لكن التوافق الكامل لم يحدث بعد لعدم وجود موقف عربي موحد، فالجزائر تسعى لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، ويعد هذا الملف من أبرز الملفات الخلافية على أجندة القمة العربية، ويبدو أن الجزائر لم تستطيع إقناع الدول الأعضاء بإعادة سوريا للجامعة العربية وتعول الجزائر على تحقيق ما يمكن اعتباره استعادة الوجاهة الدبلوماسية المفقودة لسنوات، وأنها تعمل على تحقيق انتصارا دبلوماسيا سيعطي للجزائر مصداقية كبيرة على المستوى العربي والإقليمي في حالة اقناعها القادة العرب بعودة سوريا لشغل مقعدها الشاغر لسنوات.
الملف السياسي سيتطرق إلى الاوضاع الراهنة التي تفرض نفسها كالعلاقات العربية مع إيران وتشابكها مع الاحداث في سورية والبحرين والعراق وعدد من الدول العربية وتعزيز مواجهة النفوذ الإيراني عبر دول المنطقة، إضافة إلى العديد من القضايا الإقليمية التي يرتقب أن تكون حاضرة على مستوى القمة كمناقشة الأوضاع في كل من ليبيا واليمن، كما تظل القضية الفلسطينية قضية رئيسية على أجندة القمم العربية المختلفة، ومناقشة التحديات الأمنية الراهنة وأهمها الإرهاب والتطرف، ومواجهة خطر التنظيمات الإرهابية.
ولعل من أبرز القضايا المحورية في القمة المقبلة الملف الاقتصادي، وستكون لتداعيات التي خلفتها جائحة كورونا على المستوى الصحي والاقتصادي والاجتماعي من بين الملفات المطروحة للنقاش في القمة العربية، بغيه وضع تدابير اقتصادية ونقدية لتجاوز تبعات الاقتصادية والمالية التي خلفها الجائحة على الاقتصاديات العربية مع إعادة التعافي الاقتصادي واستعادة النمو، بالإضافة إلى موضوع أسعار النفط والغاز والأمن الغذائي، كما ستمثل الحرب الروسية الأوكرانية أهم نقاشات القمة، وتداعياتها على العالم العربي سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
لقد أصبحت جامعة الدول العربية محل للنقد سواء من حيث أداؤها، أو من حيث آليات عملها، أو من حيث درجة الالتزام والمصداقية بما تصدره من قرارات في مختلف الشؤون والقضايا الإقليمية، ويظهر كذلك من خلال العديد من جوانب القصور الأساسية في عملها، كالخلافات المتصاعدة بين أعضائها، وغياب المصداقية في قراراتها، حيث يبدو واضحا ان جامعة الدول العربية تواجه أزمة هيكلية تغيبها على لعب أدورا مهمة في الساحة الإقليمية والدولية.
الكاتب:عبد الغني الباهي