أعاد حزب التقدم والإشتراكية، النقاش حول الصراع الإيديولوجي المؤطر للعمل السياسي، بعد تنامي الأصوات الفكرية والسياسية الليبرالية خصوصا، التي تدعم فكرة موت الإيديولوجيا، وتعويضها بفكرة مجتمع الإستهلاك، الدي إنتقده بشدة الفيلسوف والمفكر الأمريكي الألماني هربرت ماركوز في كتابه "الإنسان دو البعد الواحد" وغيره من مفكري مدرسة فرانكفورت للنظرية النقدية . وصعود أشكال سياسية جديدة بدون غطاء سياسي أو إيديوليوجي يتم نعتها غالبا بالشعبوية كتجربة "إيمانويل ماكرون" في فرنسا و"قيس سعيد" في تونس
وحرص حزب التقدم والإشتراكية على تضمين مشروع وثيقته السياسية، قبيل إنعقاد مؤتمره الحادي عشر، حيزا مهما من النقاش حول الايديولوجيا الإشتراكية الماركسية المنبع، من أجل تجميع اليسار في المغرب. فهل سينجح في هده المغامرة السياسية الكبرى؟.
وبالرغم من النَفَس الإيجابي الدي تضمنته الوثيقة السياسية، بخصوص عودة الفكرة اليساري عالميا، وما تطرحه هده الفكرة من علامات إستفهام، بعد الشتات الدي أصاب اليسار بعد سقوط جدار برلين، وتعدد تعريفات اليسار، وتمسك كل يسار على حدة بتعريفه ومن تم بفكرة المشروعية والأحقية في تمثيل الايديولوجيا الماركسية الأم، بالرغم من كل هدا وغيره أكدت وثيقة رفاق بنعبد الله أن “السنوات الأخيرة عرفا إنتعاشا نسبيا لليسار العالمي، فكريا وسياسيا بعد سنوات من الخفوت في ظل الإعلان التضليلي عن “نهاية الأيديولوجيا”.
وأضافت الوثيقة : "عرفت السنوات الأخيرة إنتعاشا نسبيا لليسار على المستوى العالمي، فكريا وسياسيا، بعد سنوات من التراجع والخفوت، بعد انهيار التجربة الواقعية الاشتراكية وسيادة العولمة الرأسمالية، لدرجة أن منظري الرأسمالية رؤوا لفكرة واهية تدعي نهاية التاريخ والانتصار النهائي للرأسمالية، وأصيبت قوى اليسار بصدمة، بل بزلزال فكري وإيديولوجي، أضعف مؤقتا ثقتها بنفسها وقدراتها على النهوض والتفكير والفعل السياسي. فإنكمشت على ذاتها لسنوات، باحثة عن سبل الخروج من أزمتها الإيديولوجية والسياسية، وعن سبل فهم وتجاوز أسباب إنهيار منظومة لطالما جسدت سندا لكل اليسار في العالم، وأملا لكل الشعوب المقهورة والطبقات المستضعفة".
إن منطق الديالكتيك والصراع الطبقي كمحرك للتاريخ، والذي ظل مستمرا رغم الإعلان التضليلي عن "نهاية الإيديولوجيا" من طرف منظري الرأسمالية، كان لابد أن يفرز نهضة لليسار على المستوى الفكري وعلى مستوى الممارسة السياسية. وهكذا بزغت في مناطق مختلفة من العالم حركات يسارية جديدة عززت القوى اليسارية القائمة. كما ظهرت أشكال جديدة من مقاومة الراسمالية والإمبريالية تمثلت أساسية في ائتلافات تضم قوى يسارية وحركات اجتماعية بتلوينات متعددة، وذلك من أجل تقديم البديل عن النيولبرالية والعولمة الرأسمالية.
وزاد :"تقدم هذه الحركات والائتلافات والتحالفات الناجحة درسا مفاده أن الوحدة في الطريق الأنجع إلى تحقيق التغيير نحو الأفضل".
عودة أفكار اليسار .
بهدا العنوان المغري دبجت الوثيقة السياسية للحزب المغربي الشيوعي السابق، أفكارها، وربما تناست صعود الأصوليات البرغماية -الاسلام السياسي- والتي أظهر التاريخ أنها أكثر واقعية، وأقل طوباوية في عاملها مع الواقع.
وتجدر الاشارة هنا، إلى أن فكرة الطوباوية هي "التهمة" التي واجهت الايديوليوجيات وشرعنة لفكرة "موت الايديولوجيا".
تقول الوثيقة السياسية:" في كل العالم، شكلت جائحة كورونا مناسبة لعودة الفكرة اليسارية إلى الواجهة، وتأکید نجاعتها، أمام عجز بين للمقاربات الليبرالية عن مواجهة تداعيات الجائحة على الاقتصاد والمجتمع، هكذا برز دور الدولة أساسا، وحضر القطاع العمومي بقوة، وعلى الخصوص المستشفى العمومي والمدرسة العمومية، وتصاعد الاقتناع بضرورة تأميم القطاعات الإستراتيجية، كما تم اللجوء إلى تقديم دعم الدولة المباشر للفئات الأكثر تضررا".
و تابعت، "كل ذلك يعبر عن انتصار لأفكار ومقاربات اليسار، سيكون له ما بعده، خاصة أن الرأسمالية تعيش أزمة بنيوية تغلبت عليها في الماضي باللجوء لأفكار يسارية، من قبيل توجيه الاقتصاد وتخطيطه، والرفع من الأجور وتعميم الحماية الإجتماعية والإعتماد على الخدمات العمومية. غير أن هذه العودة القوية لأفكار اليسار، يتعين استثمارها من قبل القوى التقدمية في كافة بلدان العالم، وفي نفس الوقت فإن هذه المرحلة مناسبة من أجل استنهاض المبادرات المشتركة وإحياء العمل المشترك بين مختلف هذه القوى اليسارية، في إطار مبدأ التعاون والتضامن، وذلك دفاعا عن القيم المشتركة".
دون استحضار جيد وتعميق للنقاش حول فكرة "مرونة الليبرالية" في التعامل مع الأزمات، وخير دليل على دلك أن الولايات المتحدة الامريكية أو "العام سام" بلغة اليسار، لم تجد أدنى حرج في التدخل لانقاد اقتصاد "الليبرالي" من الإنهيار خصوصا في أزمة سنة 2008.
وفي سياق، فكرة تجميع قوى اليسار المغري أعلن نبيل بنعبد الله، عن لقاء سيجمعه بـ “الأمينة العامة لحزب الإشتراكي الموحد، نبيلة منيب، من أجل مناقشة العمل المشترك، وتبادل الرؤى والتصورات حول ما يجري في الساحة السياسية الوطنية، في أفق تعزيز التنسيق بين الحزبين.
أمام كل هدا يمكن طرح السؤال هل سينجح رفاق نبيل بنعبد الله في تحقيق هده الغاية بعد التفرقة والشتات التي يعانيها اليسار المغربي. وهل سينجح في إعادة النقاش حول الإيديولوجيات وجدواها بعد المد الشعبوي الدي أصاب الحقل السياسي لسنوات..؟